ترعى إذا نسيت حتى إذا ادكرت ... فإنما هي إقبال وإدبار
فجعل الإقبال والإدبار مجازاً على سعة الكلام، كقولك: نهارك صائم، وليلك قائم حيث يقول أبو سعيد السيرافي: في شرحه للكتاب: " يقدرون مثل هذا على تقديرين:
أحدهما: أن يقدروا مضافاً إلى المصدر ويحذفونه كما يحذفون في "واسال القرية".
والوجه الثاني: أن يكون المصدر في موضع اسم الفاعل؛ وكان الزجاج يأبى إلا الوجه الأول؛ ومما يقوى الثاني: أنك تقول: رجل ضخم وعبل؛ فتجعلهما في موضع اسم الفاعل، وليسا بمصدرين لضخم، وعبل" وعلى كلام أبى سعيد السيرافي: فالمجاز: مجاز حذف، أو مجاز مرسل علاقته التعلق بالاشتقاق (١).
ولكن عبد القاهر يرفض الوجهين كليهما؛ وينظم البيت في سلك ما أسماه بالمجاز الحكمي؛ قائلاً: إن الخنساء لم ترد بالإقبال والإدبار غير معناهما؛ فتكون قد تجوزت في نفس الكلمة؛ وإنما تجوزت في أن جعلتها؛ لكثرة ما تقبل وتدبر، ولغلبة ذاك عليها، واتصاله بها، وأنه لم يكن لها حال غيرهما؛ كأنهما قد تجسمت من الإقبال والإدبار؛ وإنما يكون المجاز في نفس الكلمة لو أنها قد استعارت الإقبال، والإدبار لمعنى غير معناهما الذي وضعا له في اللغة؛ ومعلوم: أن ليست الاستعارة مما أرادته في شيء ثم يقول: " وأعلم أن ليس بالوجه: أن يعد هذا - على الإطلاق - معد ما حذف منه المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه؛ مثل؛ قول الله - عز وجل -: " وإن كنا نراهم يذكرونه حيث يذكرون المضاف المحذوف من نحو الآية .. في سبيل ما يحذف من اللفظ