للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الكامل، ناصر الدين محمد بن الملك المظفر، شهاب الدين غازي ابن العادل أبي بكر ابن أيوب، فحاصروها ونصبوا عليها المجانيق من كل ناحية، فقاتل أهلها وامتنعوا من تسليمها وصبّروا أنفسهم على الحصار الشديد (١) حتى أكلوا الميتة والدواب، واستولوا (٢) التتار على المدينة (٣) وملكوها وقتلوا وسبوا وأسر من بقي من الجند (٤) وأخذ صاحبها في تسع نفر من مماليكه وأحضر بين يدي هولاكو (١٠٩ أ) فقتلوا (٥) إلا مملوكا واحدا اسمه قراسنقر أبقاه هولاكو وذلك أنه سألهم عن وظائفهم، فذكر له ذلك المملوك انه «أمير شكار» (٦) فسلم إليه شيئا من الطيور الجوارح. وكان الكامل صاحب ميافارقين، أديبا فاضلا وله نظم جيد فمنه قوله: [الطويل]

ترى تسمع الدنيا بما أنا طالب ... فلي عزمات دونهن الكواكب

وإن يكن الناعي بموتي معرّضا ... فأي كريم ما نعته النوائب

ومن كان ذكر الموت في كل ساعة ... قرينا له هانت عليه المصاعب

وما عجبي إلا تأسف عاقل ... على ذاهب من ماله وهو ذاهب

وفيها أراد الملك هولاكو الرحيل من بغداد، فأمر بإطلاق النار فيها جميعها فأطلقت النيران وطار الشرار، فتقدم كتبغا وضرب جوك وقال: يا ملك ان هذه مدينة عظيمة وكرسي مملكة، وإذا أبقيتها حصل لك منها مال عظيم في كل سنة ويكون نوابك مقيمين بها، فمن المصلحة أن تطفئ النار ويرفع السيف، وتعطي من بقي فيها أمانا، ورتب بها لك نوابا.

فسمع الملك هولاكو كلامه وأمر باخماد النار ورفع السيف، ونادى من كان مخبئا بالأمان (٧).


(١) في الأعلاق الخطيرة ج ٣ ق ٢، ص ٥٠٧ - ٥١٠ تفاصيل وافية لهذا الحصار.
(٢) كذا في الأصل والصواب استولى.
(٣) يذكر أبو الفداء خبر استيلاء التتار على ميارفارقين في سنة ٦٥٨ هـ‍ وذلك بعد حصار دام سنتين. أنظر المختصر في أخبار البشر ٣/ ٢٠٣ وفي الأعلاق الخطيرة ص ٤٨٩ - ٥٠٦، يذكر ابن شداد بتفاصيل وافية ما جرى على أهل المدينة من كثرة القتل والجوع والفناء، وانظر ايضا جامع التواريخ ج ١ مج ٢، ص ٣٢١.
(٤) في الأعلاق الخطيرة ص ٥٠٧: لما ملك التتر ميافارقين وجدوا بها من العوام ثلاثة وستين نفسا ومن الأجناد اثنين وأربعين رجلا. وفي جامع التواريخ ص ٣٢٢: وجدوا جميع سكانها موتى ما عدا سبعين شخصا.
(٥) في جامع التواريخ ج ١ مج ٢، ص ٣٢٣: أن السلطان قيد الى عند هولاكو فأخذ يعدد عليه جرائمه ثم أمر بتقطيعه إربا إربا كانوا يقطعونها في فمه حتى هلك سنة ٦٥٧ هـ‍.
(٦) إمره شكار: تعني أن يكون صاحبها متحدثا في الجوارح السلطانية من الطيور وغيرها والطيور السلطانية وأحواش الطيور وغيرها. صبح الأعشى ٤/ ٢٢.
(٧) عند ابن العميد ما يشبه ذلك، أنظر في:
B .E .O,T .XV,P .١٦٧.

<<  <   >  >>