إن دراسة مؤرخ أو أديب ما، من خلال نتاجه العلمي فقط، قد لا تفي بالغرض المطلوب، فلا بد من إلقاء الضوء على العصر الذي نشأ فيه ذلك المؤرخ، أو الأديب من خلال النشاط العلمي والأدبي العام لذلك العصر، باعتبار أن المجتمعات العلمية والأدبية هي انعكاس لصورة المجتمع الثقافي الذي خرج منه.
ومن هنا أفردت هذا الفصل عن الحياة العلمية والأدبية في العصر المملوكي الذي نشأ فيه مؤرخنا ابن دقماق لكي نلقي الضوء على فترة زاهية من النشاط العلمي والأدبي الذي كان مزدهرا في ذلك العصر. ولقد تمثل هذا النشاط العلمي والثقافي في العصر المملوكي من خلال اهتمام السلاطين والأمراء الماليك في إنشاء المدارس والمساجد والمكتبات ورصد الأوقاف لهذه المنشآت التعليمية، ومن خلال تشجيع سلاطين مصر للعلماء وتكريمهم لهم، مما ساعد في ازدهار الحركة العلمية والأدبية في مصر وساهم في ازدياد عدد الطلاب الدارسين والاساتذة وازدهار الحركة التأليفية في البلاد.
[إنشاء المدارس]
كان لإنشاء المدارس ودور التعليم المختلفة في مصر في العصر المملوكي الأثر الأكبر في إرساء النهضة العلمية والأدبية في ذلك العصر. وهذه المدارس المنشأة كانت على نوعين: منها المدارس المستقلة التي كانت مخصصة للتدريس فقط، ومنها المساجد الجامعة التي كانت بالإضافة إلى أنها دور عبادة وتقرب من الله، كانت من المراكز التعليمية الهامة التي يقصدها الدارسون للاستفادة من شتى العلوم الدينية والدنيوية.
ويبدو أن إنشاء المدارس والمساجد الجامعة في مصر لم يقتصر بناؤها في القاهرة أو