فبينا نحن كذلك إذا بالحىّ قد حلّوا بحذافيرهم، وإذا أمى- وهى ظئرى-أمام الحىّ تهتف بأعلى صوتها وهى تقول: يا ضعيفاه.
فأكبوا علىّ فقبلوا رأسى وما بين عينىّ، فقالوا: حبذا أنت من ضعيف، ثم قالت ظئرى: يا يتيماه مستضعف أنت من بين أصحابك فقتلت لضعفك، ثم ضمتنى إلى صدرها. فو الذى نفسى بيده إنى لفى حجرها وإن يدى لفى يد بعضهم، فجعلت ألتفت إليهم وظننت أن القوم يبصرونهم فإذا هم لا يبصرونهم، فقال بعض/ القوم: إن هذا الغلام قد أصابه لمم أو طائف من الجن؛ فانطلقوا به إلى كاهننا (١) لينظر إليه ويداويه. فقلت: ما بى شئ مما يذكر.
فقال أبى-وهو زوج ظئرى-: ألا ترون كلامه كلام صحيح؟ إنى لأرجو ألاّ يكون بابنى بأس. فاتفقوا على أن يذهبوا بى إلى الكاهن، فذهبوا بى إليه؛ فقصّوا عليه قصتى. فقال: اسكتوا حتى أسمع من الغلام؛ فإنه أعلم بأمره منكم، فسألنى. فقصصت عليه أمرى، فوثب إلىّ وضمنى إلى صدره ثم نادى: يا آل العرب، اقتلوا هذا الغلام واقتلونى معه. واللات والعزّى لئن تركتموه وأدرك ليبدّلن دينكم. ثم احتملونى، فذلك بدء شأنى.
يقال: إن حليمة قالت: لمّا فطمت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم تكلم كلاما عجيبا؛ سمعته يقول: الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا. فلما ترعرع كان
(١) فى الأصول «كاهنتنا» والمثبت عن المراجع السابقة، ويرجحه ما سيرد من أنهم اتفقوا على أن يذهبوا به إلى الكاهن.