للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يخرج فينظر إلى الصبيان يلعبون فيجتنبهم، فقال لى يوما من الأيام:

يا أمّاه. مالى لا أرى إخوتى بالنهار؟ قلت: فداء لك نفسى، يرعون غنما لنا فيروحون من ليل إلى ليل. فأسبل عينيه وبكى وقال: يا أمّاه، فما أصنع هاهنا وحدى؟ ابعثينى معهم. قلت: أو تحبّ ذلك؟ قال: نعم. فلما أصبح دهنته وكحّلته وقمّصته، وعمدت إلى خرزة جزع يمانية فعلقت (١) فى عنقه من العين؛ فأخذ عصا وخرج مع إخوته، فكان يخرج مسرورا ويرجع مسرورا. فلما كان يوما من الأيام (٢) خرجوا يرعون بهما لنا حول بيوتنا، فلما انتصف النهار إذ أنا بابنى ضمرة يعدو فزعا وجبينه يرشح، قد علاه البهر (٣)، باكيا ينادى: يا أباه ويا أمه، الحقا أخى محمدا فما تلحقانه إلا ميّتا، قلت: وما قصته؟ قال: بينا نحن قياما نترامى ونلعب إذ أتاه رجل فاختطفه من أوساطنا، وعلا به ذروة الجبل-ونحن ننظر إليه- حتى شق من صدره إلى عانته، ولا أدرى ما فعل به، وما أظنكما (٤) تلحقانه أبدا إلا ميّتا. فأقبلت أنا وأبوه-يعنى زوجها-نسعى سعيا فإذا نحن به قاعدا على ذروة الجبل شاخصا ببصره إلى السماء يبتسم ويضحك، فأكببت عليه وقبّلت بين عينيه وقلت: فدتك (٥)


(١) كذا فى الأصول. ولعلها «فعلقتها».
(٢) كذا فى ت. وفى م، هـ، والخصائص الكبرى ١:١٣٧ «من ذلك».
(٣) البهر: تتابع النفس من الإعياء. (المعجم الوسيط)
(٤) كذا فى م، هـ. وفى ت «ولا أظنكما».
(٥) كذا فى م، والخصائص الكبرى ١:١٣٧. وفى ت «فدو لك» وفى هـ «فدوتك».