فقبول ابن حزم للجرح دون النظر إلى جانب التعديل والتمييز بين حقّ ذلك وباطله وشديده من ضعيفه؛ ليس مما ينبغي وهو الذي يوقعه في هذه التطرّفات الغريبة، فهذا الطريق أقلّ أحواله أن يكون حسنًا ولابد، وكذلك الطريق الثاني من رواية عتاب بن بشير عن عبيد الله بن أبي زياد، فإِن الحقّ فيه ما قاله الحاكم فعتاب من رجال البخاري ووثّقه ابن معين والدارقطني وابن حبّان، وقال أحمد وابن أبي حاتم وابن عدي: لا بأس به وضعّفه بعضهم من جهة أحاديث منكرة وقعت في مرويّاته واعتذر عنه الآخرون بأنها من قبل شيخه خصيف لا من جهته، وشيخه عبيد الله القداح وثّقه العجلي والحاكم وقال كل من أحمد وابن معين والنسائي، ليس به بأس. وقال أبو حاتم: ليس بالقوي ولا المتين هو صالح الحديث يُكتب حديثه يحول من كتاب الضعفاء، وقال ابن عدي: قد حدّث عنه الثقات ولم أر في حديثه شيئًا منكرًا فهذا الطريق أيضًا أقل أحواله أن يكون حسنًا، فإذا انضمّ إلى الذي قبله صار صحيحًا عن أبي الزبير. ثمّ إن له طريقين آخرين عن أبي الزّبير أيضًا لم يرهما ابن حزم. فقد رواه الدارقطني من طريق ابن أبي ليلى، وأبو نُعيم في الحلية من طريق سفيان كلاهما عنه، فلم يبق شك في صحته عن أبي الزّبير. أمّا أبو الزّبير فما ذكره فيه ابن حزم ففيه نوع مغالطة فإنّه ثقة مدلّس كما قال، ولكنّ رواية المدلّس ليس مقطوعًا بأنها جميعها منقطعة، وأنّ كلّ ما رواه بالعنعنة فهو لم يسمعه وهو مّما رواه عن مجهول كما جزم به أبو محمّد بن حزم، بل ذلك محتمل فقط، فيجوز أن يكون دلّسه وأن لا يكون دلّسه، واذا دلّسه فيجوز أن يكون عن ثقة ويجوز أن يكون عن ضعيف، فلا معنى للقطع بأنّه دلّسه وعن مجهول أيضًا لأنَّ المغايرة أن يجزم أيضًا بمقابل ذلك، وأنه لم يدلّسه وأنّه سمعه من جابر حتمًا لأن الأصل عدم التدليس لاسيما من الثقة الذي احتجّ به مسلم في صحيحه فأكثر من إخراج أحاديثه وتصحيحها، فالاعتدال هو الحق المطلوب وهو أَنَّ أبا الزّبير