متى عرف أنّه مدلّس فلا يركن إلى عنعنته حتى يقوم الدّليل على سماعه بتصريحه هو، أو من جهة أخرى أن يشتهر الحديث ويصحّ من طرق أخرى فلا يبقى خوف من تدليسه لأنّ غاية ما يخاف من التدليس أن يكون المدلّس سمعه من كذّاب وخصّه، أو رفعه وهو موقوف فأسقطه وسوّى الحديث فصار صحيحًا ظاهرًا وهو في الواقع باطل لا أصل له، أما مع ثبوت الحديث وصحته من طرق أخرى فالأمر واضح، فلا معنى لردّ حديث المدلّس والقطع بأنّه لا يصلح للاحتجاج بالمرّة لاسيما وفي الباب أيضًا عن جماعة من الصحابة بأسانيد فيها الصحيح أيضًا وفيها الضعيف، فقد ورد أيضًا من حديث ابن عمر وأبي هريرة وكعب بن مالك وأبي ليلى وأبي أيوب الأنصاري وابن مسعود وابن عباس وعليّ وأبي أمامة وأبي الدرداء وعمّار بن ياسر والبراء بن عازب.
فحديث ابن عمر ذكره ابن حزم من طريق أبي حذيفة ثنا محمد بن مسلم الطائفي عن أيوب بن موسى قال: ذُكر لي عن ابن عمر عن النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - "في الجنين إذا أشعر فذكاته ذكاة أُمّه" ثمّ قال ابن حزم: أبو حذيفة ضعيف ومحمد بن مسلم أسقط منه ثمّ هو منقطع. وهذا غلوٌّ وإسراف من أبي محمّد، بل تهجّم يسقط اعتبار قوله بدون تأكّد. فمحّمد بن مسلم علق له البخاري واحتجّ به مسلم ووثّقه ابن معين وأبو داود والعجلي ويعقوب بن سفيان وابن حبّان والسّاجي إلّا أنّ هذين الأخيرين وصفاه مع الصّدق والثقة بأنه يهم وقال ابن عدي: له أحاديث حسان غرائب وهو صالح الحديث لا بأس به ولم أرَ له حديثًا منكرًا، فهل مثل هذا يقال فيه أنه أسقط من أبي حذيفة الضعيف عند ابن حزم وهو بلال الرازي لا كما ظنّ ابن حزم، فقد قال الطبراني في الصغير: ثنا محمَّد بن حسنويه الأصبهاني ثنا أحمد بن الفرات الرازي ثنا هشام بن بلال ثنا محمّد بن مسلم الطائفي عن أيّوب بن موسى عن نافع به، ثمّ قال لم يروه عن