للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غلطَ في رفع الحديث. ويدلّ على أنَّ هذا لم يكن عن ابن عمر، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أنَّ هذا الغسل من الماء من الحلال والحرام من أعظم الأمور التي يحتاج النَّاس إليها في دينهم لحاجتهم إلى الماء في طهورهم وشرابهم، والنّاس أحوج إلى الماء منهم في سائر الأشياء، ووقوع النجاسة فيه من الأمور الغالبة، وابن عمر دائماً يفتي النَّاس ويحدثهم عن النَّبيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم -، والسنن التي رواها معروفة عند أهل


= وأما لفظ القلة، فإنّه معروف عندهم: أنه الجرة الكبيرة كالحب، وكان - صلى الله عليه وسلم - يمثل بهما، كما في الصحيحين أنه قال في سدرة المنتهى: "وإذا ورقها مثل آذان الفيلة، وإذا نبقها مثل قلال هجر". وهي قلال معروفة الصفة والمقدار؛ فإن التمثيل لا يكون بمختلف متفاوت.
وهذا مما يبطل كون المراد قلة الجبل؛ لأنَّ قلال الجبال فيها الكبار والصغار، وفيها المرتفع كثيرًا، وفيها ما هو دون ذلك، وليس في الوجود ماء يصل إلى قلال الجبل إلَّا ماء الطوفان، فحمل كلام النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - على مثل هذا يشبه الاستهزاء بكلامه.
ومن عادته - صلى الله عليه وسلم - أنه يقدر المقدرات بأوعيتها، كما قال: "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة"، والوسق: حمل الجمل، وكما كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع، وذلك من أوعية الماء، وهكذا تقدير الماء بالقلال مناسب، فإن القلة وعاء الماء.
وأما الهرة فقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إنها ليست بنجسة، إنها من الطوافين عليكم والطوافات".
وتنازع العلماء فيما إذا أكلت فأرة ونحوها، ثم ولغت في ماء قليل على أربعة أقوال في مذهب أحمد وغيره: قيل: إن الماء طاهر مطلقًا. وقيل: نجس مطلقًا حتَّى تعلم طهارة فمها. وقبل: إن غابت غيبة يمكن فيها ورودها على ما يطهر فمها كان طاهراً، وإلا فلا. وهذه الأوجه في مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما. وقيل: إن طال الفصل كان طاهراً، جعلا لريقها مطهراً لفمها لأجل الحاجة، وهذا قول طائفة من أصحاب أبي حنيفة وأحمد، وهو أقوى الأقوال. والله أعلم.

<<  <   >  >>