وإذا تبيّن ما ذكرناه ظهر عظيم البدعة، وتغيير السنة والشرعة، فيما يفعله طوائف من المنتسبين إلى العلم والدين من فرط الوسوسة في هذا الباب، حتى صاروا إنما يفعلونه مضاهين لليهود، بل للسامرية الذين يقولون: لا مساس. وياب التحليل والتحريم - الذي منه باب التطهير والتنجيس - دين الإسلام فيه وسط بين اليهود والنصارى، كما هو وسط في سائر الشراح، فلم يشدد علينا في أمر التحريم والنجاسة كما شدّد على اليهود، الذين حرمت عليهم طيبات أحلت لهم بظلمهم وبغيهم، بل وضعت عنا الآصار والأغلال التي كانت عليهم، مثل قرض الثوب ومجانبة الحائض في المؤاكلة والمضاجعة وغير ذلك، ولم تحلل لنا الخبائث كما استحلها النصارى، الذين لا يحرمون ما حرم الله ورسوله، ولا يدينون دين الحق، فلا يجتنبون نجاسة، ولا يحرمون خبيثًا، بل غاية أحدهم أن يقول: طهّر قلبك وصل. واليهودي إنما يعتني بطهارة ظاهره لا قلبه، كما قال تعالى عنهم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ}. وأما المؤمنون، فإن الله طهّر قلوبهم وأبدانهم من الخبائث، وأما الطيبات فأباحها لهم، والحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، كما يحبّ ربنا ويرضى. وانظر مجموع الفتاوى (٢٢/ ١٧٩ - ١٨٥).