وقال الليث: فأما إذا كانت الجماعة في المسجد فلا بأس أن يقوم الرجل في بيته أو لأهل بيته، وقال أبو جعفر وكل من اختار التفرد فينبغي أن يكون ذلك على أن لا يقطع معه القيام في المساجد، فأما التفرد الذي يقطع معه القيام في المساجد فلا، وقد قال قوم إن الجماعة في ذلك أفضل منهم عيسى بن أبان وبكار بن قتيبة والمزني وأحمد بن أبي عمران واحتج ابن أبي عمران بحديث أبي ذر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج لما بقي سبع من الشهر فصلى بهم حتى مضى ثلث الليل، ثم لم يصل بهم السادسة، ثم خرج الليلة الخامسة فصلى بنا حتى مضى شطر الليل، فقلنا: يا رسول الله! لو نفلتنا، فقال: إن القوم إذا صلوا مع الإمام حتى ينصرف كتب لهم قيام تلك الليلة، ثم خرج الليلة الثالثة فصلى بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح؛ يعني: السحور. واحتج آخرون بحديث موسى بن عقبة، عن أبي النضر، عن بشر بن سعيد، عن زيد ابن ثابت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجر حجرة في المسجد من حصير، فصلى فيها رسول الله ليالي حتى اجتمع إليه ناس، ثم فقدوا صوته فظنوا أنه قد نام فجعل بعضهم يتنحنح ليخرج إليهم فقال: ما زال بكم الذي رأيت من صنيعكم منذ الليلة حتى خشيت أن يكتب عليكم قيام الليل، ولو كتب عليكم ما قمتم به فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة، فأخبر أن التطوع في البيت أفضل منه في المسجد، لا سيما مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسجده، وقد روي عن ابن عمر وإبراهيم والقاسم وسالم ونافع إنهم كانوا ينصرفون ولا يقومون مع الناس. قال أبو جعفر: قد أجمعوا أنه لا يجوز للناس تعطيل المساجد عن قيام رمضان، وكان هذا القيام واجبًا على الكفاية فمن فعله كان أفضل ممن انفرد به كالفروض التي هي الكفاية من فعلها أسقط فرضًا وكان فعلها أفضل من تركها. وقال محمد بن فرامرز بن عليّ في درر الحكام شرح غرر الأحكام (٢/ ٣٩):=