للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= ولا ينتفي الشكّ به من كلّ وجه، ومع الشك لا يجوز العمل، ولكنا نقول: التّحرِّي غير الشك والظن، فالشك أن يستوي طرف العلم بالشيء والجهل به، والظن أن يترجح أحدهما بغير دليل، والتحري: أن يترجح أحدهما بغالب الرأي، وهو دليلٌ يتوصل به إلى طرف العلم، وإن كان لا يتوصل به إلى ما يوجب حقيقة العلم، ولأجله سمّي تحريًّا، فالحر: اسم لجبل على طرف المفاوز، والدّليل على ما قلنا الكتاب والسُّنَّة، أما الكتاب: فقوله تعالى: {فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: ١٠]، وذلك بالتحري وغالب الرأي، فقد أطلق عليه العلم. والسُّنَّة: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "المؤمّن ينظر بنور الله". وقال - صلى الله عليه وسلم -: "فراسة المؤمّن لا تخطيء". وقال - صلى الله عليه وسلم - لوابصة: "ضع يدك على صدرك، فالإثم ما حاك في قلبك، وإن أفتاك النَّاس". وشيء من المعقول يدلُّ عليه، فإن الاجتهاد في الأحكام الشرعية جائر للعمل به، وذلك عمل بغالب الرأي، ثمّ جعل مدركًا من مدارك أحكام الشّرع، وإن كان لا يثبت به ابتداء، فكذلك التّحرِّي مدرك من مدارك التوصل إلى أداء العبادات، وإن كانت العبادة لا تثبت به ابتداء، والدّليل عليه أمر الحروب، فإنه يجوز العمل فيها بغالب الرأي مع ما فيها من تعريض النفس المحترمة للهلاك.
فإن قيل ذلك من حقوق العباد، وتتحقق الضّرورة لهم في ذلك، كما في قيم المتلفات ونحوها، ونحن إنّما أنكرنا هذا في العبادات الّتي هي حق الله تعالى.
قلنا في هذا أيضًا: معنى حق العبد، وهو التوصل إلى إسقاط ما لزمه أداؤه، وكذلك في أمر القبلة، فإن التّحرِّي لمعرفة حدود الأقاليم، وذلك من حق العبد، وفي الزَّكاة التّحرِّي لمعرفة صفة العبد في الفقر والغنى، فيجوز أن يكون غالب الرأي طريقًا للوصول إليه، إذا عرفنا هذا، فنقول بدأ الكتاب بمسائل الزَّكاة، وكان الأولى أن يبدأ بمسائل الصّلاة؛ لأنها مبتدأة في القرآن، وكأنه إنّما فعل ذلك لأنّ معنى حق العبد في الصَّدقة أكثر، فإنه يحصل بها سدّ خلّة المحتاج، أو لأنه وجد في باب الصَّدقة نصًا، وهو حديث يزيد السلمي على ما بينه، فبدأ بما وجد فيه النص، ثمّ عطف عليه ما كان مجتهدًا فيه، ومسألة الزَّكاة على أربعة أوجه:
أحدها: أن يعطي زكاة ماله رجلًا من غير شك ولا تحر ولا سؤال فهذا يجزيه =

<<  <   >  >>