للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= ما لم يتبين أنه غني لأنّ مطلق فعل المسلم محمول على ما يصح شرعًا وعلى ما يصحَّ فيه تحصيل مقصوده وعلى ما هو المستحق عليه حتّى يتبين خلافه فإن الفقر في القابض أصل فإن الإنسان يولد ولا شيء له والتمسك بالأصل حتّى يظهر خلافه جائز شرعا فالمعطى في الإعطاء يعتمد دليلًا شرعيًا فيقع المؤدى موقعه ما لم يعلم أنه غنى فإذا علم ذلك فعليه الإعادة لأنّ الجواز كان باعتبار الظّاهر ولا معتبر بالظاهر إذا تبين الأمر بخلافه، فإن شُكَّ في أمره بأن كان عليه هيئة الأغنياء أو كان في أكبر رأيه أنه غني ومع ذلك دفع إليه فإنّه لا يجزيه ما لم يعلم أنه فقير؛ لأنّ بعد الشك لزمه التّحرِّي.
و [الثّاني]: فإذا ترك التّحرِّي بعد ما لزمه لم يقع المؤدى موقع الجواز إِلَّا أن يعلم أنه فقير فحينئذٍ يجوز لأنّ التّحرِّي كان لمقصود وقد حصل ذلك المقصود بدونه، فسقط وجوب التّحرِّي كالسعي إلى الجمعة واجب لمقصود وهو أداء الجمعة فإذا توصل إلى ذلك بأن حمل إلى الجامع مكرهًا سقط عنه فرض السعي.
والثّالث: أنه يتحرى بعد الشك ويقع في أكبر رأيه أنه غني فدفع إليه مع ذلك فهذا لا يشكل أنه لا يجزيه ما لم يعلم بفقره، فإذا علم فهو جائز وهو الصّحيح، وقد زعم بعض مشايخنا - رحمهم الله تعالى - أن عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - أنه لا يجزيه على قياس ما نبينه في الصّلاة، والأصح هو الفرق فإن الصّلاة لغير القبلة مع العلم لا تكون طاعة فإذا كان عنده أن فعله معصية لا يمكن إسقاط الواجب عنه، فأمَّا التصدق على الغني صحيح ليس فيه معنى المعصية فيمكن إسقاط الواجب بفعله، هذا إذا تبين وصول الحق إلى متسحقه بظهور فقر القابض.
والفصل الرّابع: أن يتحرى ويقع في أكبر رأيه أنه فقير فدفع إليه فإذا ظهر أنه فقير أو لم يظهر من حاله شيء جاز بالاتفاق، وإن ظهر أنه كان غنيا فكذلك في قول أبي حنيفة ومحمد وهو قول أبي يوسف - رحمه الله تعالى - الأوّل، وفي قوله الآخر تلزمه الإعادة وهو قول الشّافعيّ - رحمه الله تعالى - وكذلك لو كان جالسًا في صف الفقراء يصنع صنيعهم أو كان عليه زي الفقراء أو سأله فأعطاه فهذه الأسباب بمنزلة التّحرِّي، وجه قول أبي يوسف - رحمه الله تعالى - أنه تبين له الخطأ في اجتهاده بيقين فسقط اعتبار اجتهاده كمن توضأ بماء وصلّى ثمّ تبين له أنه كان نجسًا، أو صلّى في ثوب =

<<  <   >  >>