للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= ثمّ علم أنه كان نجسًا، أو القاضي قضى في حادثة بالاجتهاد ثمّ ظهر نصّ بخلافه، وبيانه أن صفة الفقر والغنى يوقف عليهما حقيقة فإن الشّرع علّق بهما أحكامًا من النفقة وضمان العتق وغير ذلك، وإنّما تتعلّق الأحكام الشرعية بما يوقف عليه، وإذا ثبت الوصف فتأثيره أن المقصود ليس هو عين الاجتهاد بل المقصود إيصال الحق إلى المستحق، فإذا تبين أنه لم يوصله إلى مستحقه صار اجتهاده وجودًا وعدمًا بمنزلة؛ لأنّ غالب الرأي معتبر شرعًا في حقه ولكن لا يسقط به الحق المستحق عليه لغيره، والزكاة صلة مستحقة للمحاويج على الأغنياء فلا يسقط ذلك بعذر في جانبه إذا لم يوصل الحق إلى مستحقه، وبه فارق الصّلاة على أصل أبي يوسف - رحمه الله تعالى - لأنّ فريضة التوجه إلى القبلة لحق الشّرع وهو معذور عند الاشتباه، فيمكن إقامة الاجتهاد مقام ما هو المستحق عليه في حق الشّرع، وحجة أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - أنه مؤد لما كلف فيسقط به الواجب كما لو لم يظهر شيء من حال المصروف إليه، وبيانه أنه مأمور بالأداء إلى من هو فقير عنده لا إلى من هو فقير حقيقة؛ لأنه لا طريق إلى معرفة ذلك حقيقة، فالإنسان قد لا يعرف من نفسه حقيقة الفقر والغنى فكيف يعرفه من غيره، والتكليف يثبت بحسب الوسع والذي في وسعه الاستدلال على فقره بدليل ظاهر من سؤال أو هيئة عليه أو جلوس في صف الفقراء، وعند انعدام ذلك كله المصير إلى غالب الرأي وقد أتى بذلك، وإنما يكتفي بهذا القدر لمعنى الضّرورة ولا يرتفع ذلك بظهور حاله بعد الأداء؛ لأنه ليس له أن يسترد المقبوض من القابض ولا أن يضمنه بالاتفاق، فلو لم يُجْزِ عنه ضاع ماله فلبقاء الضّرورة قلنا يجعل المؤدي مجزيًا عنه.
ولأنه لا يعلم حقيقة غناه وإنّما يعرف ذلك بالاجتهاد وما أمضى بالاجتهاد لا ينقض باجتهاد مثله، وتعلّق الأحكام الشرعية بالغنى لا يدلُّ على أنه يعرف صفة الغني حقيقة؛ لأنّ الأحكام تنبني على ما يظهر لنا كما ينبني الحكم على صدق الشهود وإن كان لا يعلم حقيقة، وبه فارق النص لأنه يوقف عليه حقيقة فكان المجتهد مطالبًا بالوصول إليه، وإن كان قد تعذر إذا كان يلحقه الحرج في طلبه فإذا ظهر بطل حكم الاجتهاد، وكذلك نجاسة الماء ونجاسة الثّوب يعرف حقيقة فيبطل بظهور النّجاسة حكم =

<<  <   >  >>