وبه تبيّن أنّ نيّة الكعبة ليست بشرطٍ، بل الأفضل أن لا ينوي الكعبة لاحتمال أن لا تحاذي هذه الجهة الكعبة فلا تجوز صلاته ولا حجّة لهم في الآية لأنّها تناولت حالة القدرة، والقدرة حال مشاهدة الكعبة لا حال البعد عنها، وهو الجواب عن قولهم: إنّ الاستقبال لحرمة البقعة، أنّ ذلك حال القدرة على الاستقبال إليها دون حال العجز عنه. وأمّا إذا كان عاجزًا فلا يخلو إمّا أَنْ كان عاجزًا بسبب عذرٍ من الأعذار مع العلم بالقبلة. وأمّا أن كان عجزه بسبب الاشتباه، فإن كان عاجزًا لعذرٍ مع العلم بالقبلة فله أن يصلّي إلى أن جهةٍ كانت ويسقط عنه الاستقبال، نحو أن يخاف على نفسه من العدوّ في صلاة الخوف، أو كان بحالٍ لو استقبل القبلة يثب عليه العدوِّ، أو قطّاع الطّريق، أو السّبع، أو كان على لوحٍ من السّفينة في البحر لو وجّهه إلى القبلة يغرق غالبًا، أو كان مريضًا لا يمكنه أن يتحوّل بنفسه إلى القبلة وليس بحضرته من يحوِّله إليها، ونحو ذلك؛ لأنّ هذا شرط زائدٌ فيسقط عند العجز وإن كان عاجزًا بسبب الاشتباه، وهو أن يكون في المفازة في ليلةٍ مظلمةٍ، أو لا علم له بالأمارات الدّالّة على القبلة، فإن كان بحضرته من يسأله عنها لا يجوز له التّحرّي لما قلنا، بل يجب عليه السُّؤال، فإن لم يسأل وتحرّى وصلّى فإن أصاب جاز، وإلَّا فلا. فإن لم يكن بحضرته أحدٌ جاز له التّحرّي؛ لأنّ التلكليف بحسب الوسع والإمكان، وليس في وسعه إِلَّا التّحرِّي فتجوز له الصّلاة بالتّحري لقوله تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} =