وأما إذا تحرّى ووقع تحرّيه إلى جهةٍ فصلّى إلى جهةٍ أخرى من غير تحرِّ فإن أخطأ لا تجزيه بالإجماع، وإن أصاب فكذلك في ظاهر الرّواية. وروي عن أبي يوسف: أنه يجوز. ووجهه: أن المقصود من التّحرِّي هو الإصابة وقد حصل هذا المقصود فيحكم بالجواز، كما إذا تحرّى في الأواني فتوضّأ بغير ما وقع عليه التَّحرِّي ثمَّ تبيّن أنه أصاب يجزيه، كذا هذا. (وجه): ظاهر الرّواية أن القبلة حالة الاشتباه هي الجهة الّتي مال إليها المتحرّي، فإذا ترك الإقبال إليها فقد أعرض عمّا هو قبلته مع القدرة عليه فلا يجوز، كمن ترك التّوجّه إلى المحاريب المنصوبة مع القدرة عليه، بخلاف الأواني؛ لأنّ الشّرط هو التّوضّؤ بالماء الطّاهر حقيقةً وقد وجد. فأمّا إذا صلّى إلى جهةٍ من الجهات بالتحرّي ثمَّ ظهر خطؤه فإن كان قبل الفراغ من الصّلاة استدار إلى القبلة، وأتمّ الصّلاة، لما روي أن أهل قباء لما بلغهم نسخ القبلة إلى بيت المقدس استداروا كهيئتهم وأتمّوا صلاتهم، ولم يأمرهم رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - بالإعادة؛ ولأنّ الصّلاة المؤدّاة إلى جهة التّحرِّي مؤدّاةٌ إلى القبلة؛ لأنها هي القبلة حال الاشتباه، فلا معنى لوجوب الاستقبال؛ ولأنّ تبدّل الرّأي في معنى انتساخ النّصّ، وذا لا يوجب بطلان العمل بالمنسوخ في زمان ما قبل النّسخ، كذا هذا. وإن كان بعد الفراغ من الصّلاة فإن ظهر أنه صلّى يمنةً أو يسرةً يجزيه ولا يلزمه الإعادة بلا خلافٍ، وإن ظهر أنه صلّى مستدبر الكعبة يجزيه عندنا، وعند الشّافعيّ لا يجزيه، وعلى هذا إذا اشتبهت القبلة على قومٍ فتحرّوا وصلّوا بجماعةٍ جازت صلاة الكل عندنا إِلَّا صلاة من تقدّم على إمامه أو علم بمخالفته إيّاه. (وجه): قول الشّافعيّ أنه صلّى إلى القبلة بالاجتهاد. وقد ظهر خطؤه بيقينٍ فيبطل، كما إذا تحرّى وصلّى في ثوبٍ على ظنِّ أنه طاهرٌ ثمّ تبيّن أنه نجسٌ أنه لا يجزيه وتلزمه الإعادة، كذا هاهنا. (ولنا): أن قبلته حال الاشتباه هي الجهة الّتي تحرّى إليها. =