وأمّا المعقول: فما ذكرنا أنّه لا سبيل له إلى إصابة عين الكعبة ولا إلى إصابة جهتها في هذه الحالة لعدم الدّلائل الموصّلة إليها، والكلام فيه، والتكليف بالصّلاة متوجّهٌ، وتكليف ما لا يحتمله الوسع ممتنعٌ، وليس في وسعه إلا الصّلاة إلى جهة التّحري فتعيّنت هذه قبلةً له شرعًا في هذه الحالة، فنزلت هذه الجهة حالة العجز منزلة عين الكعبة، والمحراب حالة القدرة، وإنّما عرف التّحرّي شرطًا نصًّا بخلاف القياس لا لإصابة القبلة، وبه تبيّن أنّه ما أخطأ قبلته؛ لأن قبلته جهة التّحرّي وقد صلّى إليها، بخلاف مسألة الثّوب؛ لأنّ الشّرط هناك هو الصّلاة بالثّوب الطاهر حقيقةً لكنّه أمر بإصابته بالتّحرّي، فإذا لم يصب انعدم الشّرط فلم يجز، أنها هاهنا فالشّرط استقبال القبلة، وقبلته هذه في هذه الحالة. وقد استقبلها، فهو الفرق والله أعلم ويخرج على ما ذكرنا الصّلاة بمكّة خارج الكعبة: أنّه إن كان في حال مشاهدة الكعبة لا تجوز صلاته إلا إلى عين الكعبة؛ لأن قبلته حالة المشاهدة عين الكعبة بالنّصّ، ويجوز إلى أيِّ الجهات من الكعبة شاء بعد أن كان مستقبلًا لجزءٍ منها لوجود تولية الوجه شطر الكعبة، فإن صلّى منحرفًا عن الكعبة غير مواجهِ لشيءٍ منها لم يجز؛ لأنهّ ترك التّوجّه إلى قبلته مع القدرة عليه، وشرائط الصّلاة لا تسقط من غير عذرٍ.