للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وقضى على خلاف رأيه السّابق حمل على تبدّل اجتهاده، بدليل ما في السّير الكبير في باب الفداء الذي يرجع إلى أهله حيث قال: مات وله رقيق، وعليه دينٌ كثيرٌ فباع القاضي رقيقه، وقضى دينه ثمّ قامت البينّة لبعضهم: أن مولاه كان دبره، فإنّ بيع القاضي فيه يكون باطلاً، ولو كان القاضي عالماً بتدبيره واجتهد وأبطل تدبيره لكونه وصيّة وباعه في الذين، ثمّ ولي قاضٍ آخر يرى ذلك خطاً، فإنّه ينفذ قضاء الأوّل. . . إلخ، فعلم أن عدم الأخذ ليس هو لعدم العلم بل لكونه بيع الحرّ.
وقال الحسام أيضاً قال في كتاب الرّجوع عن الشهادة: إذا قضى القاضي بشهادة محدودين في قذف، وهو لا يعلم بذلك ثمّ ظهر لا ينفذ قضاؤه، وهو محمولٌ على محدودين شهدا بعد التّوبة كما في قضاء شرح الجامع، ومن المعلوم: أن قضاء هذا على خلاف رأيه المقرّر قبل ذلك فلذا لم ينفذ، فعدم النفاذ لعدم صحة الشهادة لا لعدم العلم، فإذا ظهر أنّ هذا في قضاء القاضي المجتهد، وأن اعتبار العلم وعدمه إنّما هو للدّلالة على البقاء على الاجتهاد الأول أو تبدّله، وأنَّه لو كان على وفق رأيه نفذ وإن لم يعلم بالخلاف ظهر لك أنّ اعتبار هذا في القاضي المقلّد جهالةٌ فاحشةٌ، وخرقٌ لما أجمعت عليه الأمّة في أنّ المقلّد إذا قضى يقول إمامه مستوفياً للشّروط نفذ قضاؤه، سواءٌ علم أنّ في المسألة خلافاً أو لا، وصار المختلف فيه بقاؤه متفقاً عليه كما صرّحت به نصوص المختصرات والمطوّلات وامتنع نقضه بالإجماع. هذا خلاصة ما في تلك الرّسالة.
وحاصله: أن اشتراط كون القاضي المجتهد عالماً بالخلاف، إنَّما هو لبيان أنّ الموضع المختلف فيه الّذي لم يقصد الحكم به لعدم علمه به كصحّة بيع المدبّر، وقبول شهادة المحدود لا يصير محكوماً به في ضمن الحكم الّذي قصده وهو بيع عبد المديون لقضاء دينه، وقبول شهادة العدل في الصورتين السابقتين ونحوهما، إذ لا وجه لصيرورته محكوماً به مع عدم علمه به وقصدٍ له، ومع كونه مخالفاً لرأيه، بخلاف ما إذا كان عالماً به، وقصد الحكم به، فإنّه كان خالف رأيه يصحّ حكمه به، ويكون ذلك رجوعًا عن رأيه السّابق لتغيّر اجتهاده فينفذ وإذا رفع إلى قاضٍ آخر أمضاه، وهذا كلامٌ في غاية التّحقيق، وحيث كان هذا هو ظاهر الرّواية فلا يعدل عنه =

<<  <   >  >>