المنازعة من الخصم؛ لأنّه لم يطعن، فصلح، فإن قيل: هذا إذا كان الخصم مختارًا في ترك المنازعة، وهنا هو مضطرٌّ؛ لأنّه إنما ترك الطعن.
إمّا احتشامًا من الشهود لا خوفًا منهم.
وإمّا تحرزًا عن هتك الستر عليهم، وإمّا جهلًا منهم أنّ الطّعن شرطٌ، وكان مضطرًا في ترك المنازعة بخلاف مسألة الشفيع.
فإنّ المشتري غير مضطر في ترك المنازعة، فإنه متى أنكر المشتري ملك الشفيع، لا يخاف منه، ولا يهتك ستره، فكان مختارًا.
والدليل عليه: الحدود والقصاص.
قيلَ له: الخصم هنا مختارًا في ترك المنازعة؛ لأنّه يمكنه أن يطعن في الشهود وبين يدي القاضي سرًّا متى خاف منهم، وتحرزًا عن هتك الستر، والجهل لا يكون عذرًا؛ لأنه في دار الإسلام بخلاف الحدود والقصاص؛ فإنهّا تندرئ بالشبهات. والنّصّ والظّاهر: أنّ حال ترك المنازعة، لا يخلو عن وقوع شبهةٍ واحتمال.
قلت: الإمام روى عن عمر بن الخطاب ما تقدم. وقد أفتى بخلاف ظاهر ما روي، فكانت العبرة لفتواه؛ لأنه أعلم بتأويله، إذ لا يترك إلَّا بعلمه بالحال لاَ لرأيهِ بخلافه.
فقد روى الخصّاف، عن محمد بن أبي بكر الصديق قال: قالَ عمر: إِنَّك لاَ تَقْبَلُ إِلاَّ العَدْلَ (١).