للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= فدل ذلك على أن من شرط هذه الشهادة الحرية، والمعنى الآخر من دلالة الخطاب قوله تعالى: {مِنْ رِجَالِكُمْ}، فظاهر هذا اللفظ يقتضي الأحرار، كقوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: ٣٢]؛ يعني: الأحرار، ألا ترى أنه عطف عليه قوله تعالى: {وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: ٣٢] فلم يدخل العبيد في قوله تعالى: {مِنْكُمْ}. وفي ذلك دليلٌ على أن من شرط هذه الشهادة: الإسلام، والحرية جميعًا، وأن شهادة العبد غير جائزة؛ لأن أوامر الله تعالى على الوجوب، وقد أمر باستشهاد الأحرار فلا يجوز غيرهم. وقد روى عن مجاهد في قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: ٢٨٢] قال: الأحرار.
فإن قيل: إن ما ذكرت إنما يدلّ على أن العبد غير داخل في الآية، ولا دلالة فيها على بطلان شهادته. قيل له: لما ثبت بفحوى خطاب الآية، أن المراد بها الأحرار، كان قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} أمرًا مقتضيًا للإيجاب، وكان بمنزلة قوله تعالى: واستشهدوا رجلين من الأحرار، فغير جائز لأحد إسقاط شرط الحرية؛ لأنه لو جاز ذلك لجاز إسقاط العدد. وفي ذلك دليل على أن الآية قد تضمنت بطلان شهادة العبيد.
واختلف أهل العلم في شهادة العبيد: فروى قتادة، عن الحسن، عن علي قال: شهادة الصبي على الصبي، والعبد على العبد، جائزة.
وحدثنا عبد الرحمن بن سيما قال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الرحمن بن همام قال: سمعت قتادة يحدث أن عليًا - رضي الله عنه - كان يستثبت الصبيان في الشهادة. وهذا يوهن الحديث الأول.
وروى حفص بن غياث، عن المختار بن فلفل، عن أنس قال: ما أعلم أحدًا ردّ شهادة العبد.
وقال عثمان البتي: تجوز شهادة العبد لغير سيّده.
وذكر أن ابن شبرمة كان يراها جائزةً.
يأثر ذلك عن شريح.
وكان ابن أبي ليلى لا يقبل شهادة العبيد، وظهرت الخوارج على الكوفة، وهو يتولى=

<<  <   >  >>