ومما يدل على بطلان شهادة العبد: قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى} [النحل: ٧٥]، وذلك لأنه معلوم أنه لم يرد به نفي القدرة؛ لأن الرّق والحرية لا تختلف بهما القدرة، فدل على أن مراده نفي حكم أقواله وعقوده وتصرفه وملكه، ألا ترى أنه جعل ذلك مثل للأصنام التي كانت تعبدها العرب على وجه المبالغة في نفي الملك والتصرف، وبطلان أحكام أقواله فيما يتعلق بحقوق العباد. وقد روي عن ابن عباس: أنه استدل بهذه الآية على أن العبد لا يملك الطلاق. ولولا احتمال اللفظ لذلك لما تأوله ابن عباس عليه، فدل ذلك على: أن شهادة العبد كلا شهادة كعقده وإقراره وسائر تصرفاته التي هي من جهة القول، فلما كانت شهادة العبد قوله وجب أن ينتفي وجوب حكمه بظاهر الآية، ومما يدل على بطلان شهادة العبيد: أن الشهادة فرضٌ على الكفاية، كالجهاد، فلما لم يكن العبد من أهل الخطاب بالجهاد ولو حصره وقاتل لم يسهم له وجب أن لا يكون من أهل الخطاب بالشهادة، ومتى شهد لم تقبل شهادته، ولم يكن له حكم الشهود، كما لم يثبت له حكم، وإن شهد القتال في استحقاق السهم، ويدل عليه: أنه لو كان من أهل الشهادة لوجب أن لو شهد بها فحكم بشهادته، ثم رجع عنها، أنه يلزمه غرم ما شهد به؛ لأن ذلك من حكم الشهادة، كما أن نفاذ الحكم بها إذا أنفذها الحاكم من حكمها، فلما لم يجز أن يلزمه الغرم بالرجوع علمنا أنه ليس من أهلها، وإن الحكم بشهادته غير جائز، وأيضًا فإنا وجدنا ميراث الأنثى على النصف من ميراث الذكر، وجعلت شهادة امرأتين بشهادة رجل، فكانت شهادة المرأة نصف شهادة الرجل، وميراثها نصف ميراثه، فوجب أن يكون العبد من حيث لم يكن من أهل الميراث رأسًا أن لا يكون من أهل الشهادة؛ لأنا وجدنا لنقصان الميراث تأثيرًا في نقصان الشهادة، فوجب أن يكون نفي الميراث موجبًا لنفي الشهادة. وما روي عن علي بن أبي طالب في جواز شهادة العبد؛ فإنه لا يصح من طريق النقل،=