= ونحوه، وإن شهد على زنا أو حد القذف لم تقبل شهادته. والدليل على بطلان شهادة الأعمى: ما حدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن ميمون البلخي الحافظ قال: حدثنا يحيى بن موسى يعرف بخت قال: حدثنا محمد بن سليمان بن مسمول قال: حدثنا عبد الله بن سلمة بن وهرام، عن أبيه، عن طاوس، عن ابن عباس قال: سئل - صلى الله عليه وسلم - عن الشهادة فقال: "ترى هذه الشمس فاشهد وإلّا فدع". فجعل من شرط صحة الشهادة: معاينة الشاهد لما شهد به، والأعمى لا يعاين المشهود عليه، فلا تجوز شهادته. ومن جهة أخرى: أن الأعمى يشهد بالاستدلال فلا تصح شهادته، ألا ترى: أن الصوت قد يشبه الصوت، وإن المتكلم قد يحاكي صوت غيره ونغمته حتى لا يغادر منها شيئًا، ولا يشك سامعه إذا كان بينه وبينه حجابٌ أنه المحكي صوته فغير جائزٍ قبول شهادته على الصوت، إذ لا يرجع منه إلى يقينٍ، وإنما يبنى أمره على غالب الظن. وأيضًا: فإن الشاهد مأخوذ عليه بأن يأتي بلفظ الشهادة ولو عبر بلفظ غير لفظ الشهادة بأن يقول: أعلم أو أتيقن لم تقبل شهادته فعلمت أنها حين كانت مخصوصة بهذا اللفظ. وهذا اللفظ يقتضي مشاهدة المشهود به، ومعاينته. فلم تجز شهادة من خرج من هذا الحد وشهد عن غير معاينة، فإن قال قائلٌ: يجوز للأعمى إقدامه على وطء امرأته إذا عرف صوتها، فعلمنا: أنه يقينٌ ليس بشكٍّ إذ غير جائزِ لأحدٍ الأقدام على الوطء بالشك. قيل له: يجوز له الإقدام على وطء امرأته بغالب الظّنّ بأن زفت إليه امرأة. وقيل له: هذه امرأتك، وهو لا يعرفها، يحل له وطؤها. وكذلك جائزٌ له قبول هدية جارية يقول الرسول، ويجوز له الإقدام على وطئها ولو أخبره مخبرٌ عن زيدٍ بإقرارٍ أو بيعٍ أو قذفٍ، لما جاز له إقامة الشّهادة على المخبر عنه؛ لأن سبيل الشهادة: اليقين والمشاهدة. وسائر الأشياء التي ذكرت، يجوز فيها استعمال غالب الظن، وقبول قول الواحد، فليس ذلك إذًا أصلًا للشّهادة. وأما إذا استشهد وهو بصيرٌ، ثم عمي فإنما لم نقبله من قبل أنا قد علمنا أن حال تحمل الشهادة أضعف من حال الأداء. والدليل عليه: أنه غير جائزٍ أن يتحمل الشهادة وهو كافر أو عبد أو صبي، ثم يؤديها وهو حرٌّ مسلمٌّ بالغٌ تقبل شهادته ولو أداها وهو صبي أو عبد أو كافر لم =