للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= عن الكذب ولا حياء يردعه ولا مروءة تمنعه وقد يضرب الناس المثل بكذب الصبيان فيقولون: هذا أكذب من صبيٍّ. فكيف يجوز قبول شهادة من هذا حاله فإن كان إنما اعتبر حالهم قبل تفرقهم وقبل أن يعلمهم غيرهم؛ لأنه لا يتعمد الكذب دون تلقين غيره، فليس ذلك كما ظن، لأنهم يتعمدون الكذب من غير مانع يمنعهم، وهم يعرفون الكذب كما يعرفون الصدق إذا كانوا قد بلغوا الحد الذي يقومون بمعنى الشهادة والعبارة: عما شهدوا. وقد يتعمدون الكذب لأسبابٍ عارضة منها خوفهم من أن تنسب إليهم الجناية أو قصدًا للمشهود عليه بالمكروه. ومعانٍ غير ذلك معلومة من أحوالهم، فليس لأحدٍ أن يحكم لهم بصدق الشّهادة قبل أن يتفرقوا، كما لا يحكم لهم بذلك بعد التفرق، وعلى أنه لو كان كذلك، وكان العلم حاصلًا بأنهم لا يكذبون ولا يتعمدون لشهادة الزور فينبغي أن تقبل شهادة الإناث كما تقبل شهادة الذكور، وتقبل شهادة الواحد كما تقبل شهادة الجماعة، فإذا اعتبر العدد في ذلك وما يجب اعتباره في الشهادة من اختصاصها في الجراح بالذكور دون الإناث فواجب أن يستوفى لها سائر شروطها من البلوغ والعدالة، ومن حيث أجازوا شهادة بعضهم على بعضٍ فواجبٌ إجازتها على الرجال؛ لأن شهادة بعضهم على بعضٍ ليست بآكد منها على الرجال إذ هم في حكم المسلمين عند قائل هذا القول والله الموفق.
واختلف في شهادة الأعمى: فقال أبو حنيفة ومحمد: لا تجوز شهادة الأعمى بحالٍ. وروي نحوه عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -. وروى عمرو بن عبيد، عن الحسن قال: لا تجوز شهادة الأعمى بحالٍ. وروي عن أشعث مثله إلا أنه قال: إلاّ أن تكون في شيءٍ رآه قبل أن يذهب بصره. وروى ابن لهيعة، عن أبي طعمة، عن سعيد بن جبير قال: لا تجوز شهادة الأعمى. وحدثنا عبد الرحمن بن سيما قال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: حدثني حجاج بن جبير بن حازم، عن قتادة قال: شهد أعمى عند إياس بن معاوية على شهادةٍ فقال له إياس: لا نرد شهادتك، إلاّ أن لا تكون عدلًا ولكنك أعمى لا تبصر. قال: فلم يقبلها. وقال أبو يوسف وابن أبي ليلى والشافعي: إذا علمه قبل العمى جازت، وما علمه في حال العمى لم تجز. وقال شريح والشعبي: شهادة الأعمى جائزة. وقال مالك والليث بن سعد: شهادة الأعمى جائزة وإن علمه في حال العمى إذا عرف الصوت في الطلاق والإقرار =

<<  <   >  >>