ومما يدل على بطلان شهادة الصبيان، قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [البقرة: ٢٨٢] وذلك خطاب للرجال البالغين لأن الصبيان لا يملكون عقود المداينات وكذلك قوله تعالى: {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ} [البقرة: ٢٨٢] لم يدخل فيه الصبي لأن إقراره لا يجوز وكذلك قوله: {وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا} [البقرة: ٢٨٢] لا يصح أن يكون خطابًا للصبي لأنه ليس من أهل التكليف فيلحقه الوعيد ثم قوله: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: ٢٨٢] وليس الصبيان من رجالنا ولما كان ابتداء الخطاب بذكر البالغين كان قوله من رجالكم عائدًا عليهم ثم قوله: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: ٢٨٢] يمنع أيضًا جواز شهادة الصبي وكذلك قوله: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: ٢٨٢] هو نهي وللصبي أن يأبى من إقامة الشهادة وليس للمدعي إحضاره لها ثم قوله: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: ٢٨٣] غير جائز أن يكون خطابًا للصغار، فلا يلحقهم المأثم بكتمانها. ولما لم يجز أن يلحقه ضمان بالرجوع دل على أنه ليس من أهل الشهادة؛ لأن كل من صحت شهادته لزمه الضمان عند الرجوع. وأما إجازة شهادتهم في الجراح خاصة وقبل أن يتفرقوا ويجيئوا، فإنه تحكم بلا دلالة وتفرقة بين من لا فرق فيه في أثر ولانظر؛ لأن في الأصول أن كل من جازت شهادته في الجراح فهي جائزة في غيرها وأما اعتبار حالهم قبل أن يتفرقوا ويجيئوا فإنه لا معنى له لأنه جائز أن يكون هؤلاء الشهود هم الجناة ويكون الذي حملهم على الشهادة الخوف من أن يؤخذوا به. وهذا معلوم من عادة الصبيان إذا كان منهم جناية إحالته بها على غيره خوفاً من أن يؤخذ بها وأيضًا لما شرط الله في الشهادة العدالة وأوعد شاهد الزور ما أوعده به ومنع من قبول شهادة الفساق ومن لا يزع عن الكذب احتياطًا لأمر الشهادة فكيف تجوز شهادته من هو غير مأخوذ بكذبه. وليس له حاجز يحجزه =