للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن هذا القرآن لم ينزل على أحد قبله ولكن في زبر الأولين صحَّ ذكر القرآن وخبره، كما فيها ذكر محمد وخبره، كما أن أفعال العباد في الزبر كما قال: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ} [القمر: ٥٢] فيجب الفرق بين كون هذه الأشياء في الزُّبُر وبين كون الكلام نفسه في الزبر، كما قال: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} [الواقعة: ٧٧ - ٧٨] وقال: {صُحُفًا مُطَهَّرَةً (٢) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (٣)} [البينة: ٢ - ٣]، فمن قال: إن المِداد قديم؛ فقد أخطأ، ومن قال: ليس في المصحف كلام الله وإنما فيه المِداد الذي هو عبارة عن كلام الله فقد أخطأ، بل القرآن في المصحف، كما أن سائر الكلام في الأوراق كما عليه الأمة مجتمعة، وكما هو في فِطَر المسلمين، فإن كلَّ مرتبة لها حكم يخصها، وليس وجود الكلام من الكتاب كوجود الصفة بالموصوف، مثل [وجود] العلم والحياة بمحلها حتى يقال: إن صفة الله حلَّت بغيره أو فارقته، ولا وجوده فيه كالدليل المحض، مثل وجود العالم الدال على الباري تعالى، حتى يقال: ليس فيه إلا ما هو علامة على كلام الله، بل هو قسم آخر، ومن لم يُعْط كل مرتبة فيما يستعمل فيها أداة الظرف (١) حقها، فيفرق بين وجود الجسم في الحيز وفي المكان، ووجود العرض بالجسم، والصورة بالمرآة، ويفرق بين رؤية الشيء بالعين يقظة ورؤيته بالقلب يقظة ومنامًا، ونحو ذلك، وإلا اضطراب عليه الأمر.

وكذلك سؤال السائل عما في المصحف، هل هو حادث أو قديم؟ سؤال مجمل. فإن لفظ «القديم» أولًا [ليس] (٢) مأثورًا عن السلف، وإنما الذي اتفقوا عليه أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وهو كلام الله حيث تُلى،


(١). في الأصل: «أداء الطرق»! والمثبت من «الفتاوى».
(٢). من «الفتاوى»، وبه يستقيم المعنى.

<<  <   >  >>