للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مسَالِكُ الأبْصَار في مَمَالِكِ الأمْصَار (١)

للعلَّامة أحمد بن يحيى ابن فضل الله العُمَري (٧٤٩)

أحمد بن عبد الحليم بن عبد السَّلام بن عبد الله بن أبي القاسم الحَرَّاني، العلَّامة الحافظ الحجة المجتهد المفسّر، شيخ الإسلام نادرة العصر عَلَمُ الزُهّاد، تقي الدِّين أبو العَبَّاس ابن تَيْميَّة.

هو البحرُ من أيِّ النواحِي جِئتَه، والبدرُ من أيّ الضَّواحِي أتيتَه، جَرَتْ آباؤُه لشَأْوٍ ما قَنِعَ به، ولا وقفَ عنده طليحًا مُريحًا من تَعَبِه، طلبًا لا يَرضَى بِغاية، ولا يُقضَى له بِنهايَة. رَضَعَ ثَدْيَ العلمِ مُنذُ فُطِم، وطَلعَ وجهُ الصباحِ ليُحَاكِيَهُ فَلُطِم، وقَطَعَ الليلَ والنهارَ دائبينِ، واتخذ العلمَ والعملَ صاحبيَنِ، إلى أن أنْسى السلفَ بِهُداه، وأنْأى الخَلَفَ عن بلوغ مَدَاه.

وَثَقَّفَ الله أمرًا باتَ يَكلؤُهُ ... يَمضِي حُساماه فيه السيفُ والقلمُ

بهمَّةٍ في الثريَّا أثر أخْمَصِها ... وعَزْمَةٍ ليسَ من عاداتِها السَّأمُ

على أنَّه من بيتٍ نشأتْ منه علماءُ في سالفِ الدُّهُور، ونَسَأتْ منه عُظَماءُ على المشاهير الشُّهور، فأحْيَا معالمَ بيتهِ القديم إذْ دَرَسَ، وجَنَى من فَنَنِه الرَّطيبِ ما غَرَسَ، وأصبحَ في فضله آيةً إلَّا أنَّه آيةُ الحَرَسِ، عَرضَتْ له الكُدَى فزَحْزَحَها، وعارضَتْه البحارُ فضَحْضَحَها، ثمَّ كَانَ أُمَّةً وحدَه، وفردًا حتَّى نزلَ لَحْدَه. أخْمَلَ من القُرَناءِ كلَّ عَظِيم، وأخْمَدَ من أهل الفناءِ كلَّ قديم، ولم يكن منهم إلَّا مَن يُجْفِل عنه إجفالَ الظَّليم، ويَتَضاءلُ لديه تَضاؤُلَ الغَرِيم.


(١) نسخة أيا صوفيا، المكتبة السليمانية باستانبول برقم ٣٤١٨ (ص ٢٩٤ - ٣٠٦).

<<  <   >  >>