ويَتبيَّن هذا الجوابُ بالكلام على المسألة الثانية وهي قوله: إن كلام الله هل هو بحرف وصوت أم لا؟ فإن إطلاق الجواب في هذه المسألة نفيًا وإثباتًا خطأ، وهي من البدع المولَّدة الحادثة بعد المئة الثالثة لما قال قوم من متكلمة الصفاتية: إنّ كلام الله الذي أنزله على أنبيائه كالتوراة والإنجيل والقرآن، والذي لم ينزله، والكلمات التي كون بها الكائنات والكلمات المشتملة على أمره ونهيه وخبره، ليست إلا مجرد معنى واحد، هو صفة واحدة قامت بالله، إن عبَّر عنها بالعِبْرية كانت التوراة، وإن عبر عنها بالعربية كانت القرآن، وأن الأمر والنهي والخبر صفات لها لا أقسام لها، وأن حروف القرآن مخلوقة خلقها الله تعالى ولم يتكلم بها وليست كلامه؛ إذ كلامه لا يكون بحرف وصوت.
عارضهم آخرون من المثبتة فقالوا: بل القرآن هو الحروف والأصوات، وتوهم قوم أنهم يعنون بالحروف المداد وبالأصوات أصوات العباد، وهذا لم يقله عالم.
والصواب الذي عليه سلف الأمة كالإمام أحمد والبخاري صاحب «الصحيح» في كتاب «خلق أفعال العباد» وغيره وسائر الأئمة قبلهم وبعدهم اتباع النصوص الثابتة وإجماع سلف الأمة، وهو أن القرآن جميعه كلام الله تعالى؛ حروفه ومعانيه ليس شيء من ذلك كلامًا لغيره ولكن أنزله على رسله، وليس القرآن اسمًا لمجرد المعنى ولا لمجرد الحرف، بل لمجموعهما، وكذلك سائر الكلام ليس هو الحروف فقط ولا المعاني فقط، بل مجموعهما، كما أن الإنسان المتكلم الناطق ليس هو مجرد الروح ولا مجرد الجسد، بل مجموعهما، وأن الله تعالى يتكلم بصوت كما جاءت به