وتشوشت القلوب بسبب أن جماعة من الجيش توجهوا إلى الكسوة (١) وناحيتها فتكلم الناس أن هؤلاء يريدون اللحاق بالسلطان وبقية الجيش، وهذا يقتضي ترك البلد ومن فيه وراء ظهورهم وانزعج الناس لذلك، ومن الناس من ذكر أن القصد أن يختاروا موضعًا للوقعة يكون أصلح من المرج فإن فيه حفرًا ومياهًا كثيرة.
وذكروا أن التتار ظلوا بعيدًا حتى ذكروا أنه وصل منهم طائفة إلى القطيفة، ومنهم من يقول: إنهم على قارا، ونزل الجيش بأسره على الجسور قبلي دمشق فسكن الناس بين الظهر والعصر، فلما كان بعد العصر شرع الناس يتحدثون في رحيلهم من هناك، فمن الناس من يقول أنا كنت فيهم وهم ثابتون لا يتغيرون من هناك أصلًا، ومنهم من يقول قد شرع المصريون في الرحيل والشاميون يتبعونهم بلا شك واضطرب الناس، وكان الشيخ تقي الدِّين في البلد، وأما القضاة فكانوا أخرجوا مع الجيش وبات الناس ليلة الخميس، ففي أول الليل رأى الناس نيرانهم وخيمهم، وفي آخره لم يروا لهم أثرًا، فأصبح الناس بكرة الخميس وقد اشتد الأمر واضطرب البلد وغلقت الأبواب وازدحم الناس في القلعة، وهرب من قدر وخرج الشيخ تقي الدِّين بكرة إلى جهتهم ففتح له باب النصر بمشقة وحصل له لوم من الناس لكونه كان من موانع الجفل، وبقي البلد لا متولي فيه والناس رعاع، وغلا السعر حتى بيع الخبز ثلاث أوراق بدرهم وانحصر الناس فلا يجسر أحد على الخروج إلى بستانه ولا مزرعته ولا داره وخرج الشلوح واللصوص إلى البساتين يقطعون الفواكه قبل أوانها، وكذلك الزرع
(١). الكسوة: قرية وهي أول منزل تنزل القوافل فيه إذا خرجت من دمشق إلى مصر، انظر ياقوت: معجم البلدان (٤/ ٤٦١).