للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الاختلاف، وتزان قواعد الأمة بالائتلاف، وتخمد ثوائر البدع، ويفرق من قوتها ما جمع.

وكان التقي ابن التيمية في هذه المدة قد سلط لسان قلمه، ومد عنان كلمه، وتحدث في مسائل الذات والصفات، ونص في كلامه على أمور منكرات، وتكلم فيما سكت عنه الصحابة والتابعون، وفاه بما يخفيه السلف الصالحون، وأتى في ذلك بما أنكره أئمة الإسلام، وانعقد على خلافه اجتماع العلماء والحكام، وشهر من فتاويه في البلاد ما استخف به عقول العوام، فخالف في ذلك علماء عصره، وأئمة شأمه ومصره، وبعث رسائله إلى كل مكان، وسمى فتاويه أسماء: {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [يوسف: ٤٠].

ولما اتصل بنا ذلك، وما سلكوه ومريدوه من هذه المسالك، وأظهروه من هذه الأحوال وأشاعوه، وعلمنا أنه: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ} [الزخرف: ٥٤] حتى اتصل بنا أنهم صرحوا في حق الله بالحرف والصوت والتجسيم، قمنا في الله تعالى مستعظمين لهذا النبإ العظيم. فأنكرنا هذه البدعة، وأنفنا أن نسمع عن من تضمه ممالكنا هذه السمعة. وكرهنا ما فاه به المبطلون، وتلونا قوله: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الصافات: ١٥٩] فإنه جل جلاله تنزه عن العديل والنظير {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: ١٠٣].

وتقدمت مراسمنا باستدعاء التقي ابن التيمية المذكور إلى أبوابنا عندما شاعت فتاويه شامًا ومصرًا، وصرح فيها بألفاظ ما سمعها ذو فهم إلا وتلا: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} [الكهف: ٧٤].

<<  <   >  >>