للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تيمية: كان إذا سُئل عن فنّ من العلم ظن الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن، وحكم بأن لا يعرفه أحد مثله (١)، وكان الفقهاء من سائر الطوائف إذا جالسوه استفادوا منه في مذاهبهم أشياء. قال: ولا يُعرف أنه ناظر أحدًا فانقطع معه، ولا تكلم في علم من العلوم ــ سواء كان من علوم الشرع أو غيرها ــ إلا فاقَ فيه أهلَه. واجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها كما يجب (٢).

قلت: وله خبرة تامَّة بالرجال وجَرْحهم وتعديلهم وطبقاتهم، ومعرفةٌ بفنون الحديث، وبالعالي والنازل، وبالصحيح والسقيم، مع حفظه لمتونه الذي انفرد به، فلا يبلغ أحدٌ في العصر رتبتَه ولا يُقاربه، وهو عجبٌ في استحضاره واستخراج الحُجَج منه، وإليه المنتهى في عزوه إلى الكتب الستة و «المسند»، بحيث يَصدُق عليه أن يُقال: «كلُّ حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث» ولكنَّ الإحاطة لله، غير أنه يغترف فيه من بحر، وغيره من الأئمة يغترفون من السواقي.

وأما التفسير فمُسَلَّم إليه، وله في استحضاره (٣) الآياتِ من القرآن ــ وقت إقامة الدليل بها على المسألة ــ قوةٌ عجيبة، وإذا رآه المقرئ تحيّر فيه، ولفَرْط إمامته في التفسير وعظَمَة اطلاعه يبيّن خطأ كثيرٍ من أقوال المفسرين، ويوهّي أقوالًا عديدة، وينصر قولًا واحدًا موافقًا لما دلّ عليه القرآن والحديث.


(١) العبارة في «العقود» (ص ١٣): «وحكم أن أحدًا لا يعرفه مثله».
(٢) «كما يجب» ليست في (ظ).
(٣) كذا (ظ)، وفي «العقود الدرية»: «في استحضار»، وفي (ش): «لآياتٍ».

<<  <   >  >>