للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستفتوا (١) عليه، وكتب فيها جماعة بأنه يلزم من منعه شائبة تنقّصٍ للنبوة؛ فيَكفر بذلك، وأفتى عِدَّة بأنه مخطئٌ في ذلك خطأ المجتهدين المغفور لهم، ووافقه جماعة، وكبرت القضية؛ وأُعيد إلى قاعةٍ بالقلعة فبقي بها بضعة وعشرين شهرًا.

وآل الأمر إلى أن مُنع من الكتابة والمطالعة، وما تركوا عنده كراسًا ولا دواةً، وبقي أشهرًا على ذلك؛ فأقبل على التلاوة، وبقي يختم في ثلاثٍ وأكثر، ويتهجَّد ويعبد ربه، حتى أتاه اليقين.

وفَرحتُ له بهذه الخاتمة؛ فإنه كان لا لذَّة عنده توازي كتابة العلم وتأليفه فمنع أطيب غاية (٢) ــ رحمه الله ــ فلم يفجأ الناس إلا نعيُه، وما علموا بمرضه، فتأسَّف الخلقُ عليه، ودخل إليه أقاربه وخواصّه، وازدحم الخلق على باب القلعة وبالجامع، حتى بقي مثل صلاة الجمعة سواء أو أرجح، فصلى عليه بالقلعة ابن تمَّام (٣)، وبالجامع الأموي الخطيب، وبظاهر البلد أخوه زين الدين، وكان الجَمْع وافرًا إلى الغاية، شيّعه الخلقُ من أربعةِ أبوابِ البلد، وحُمِل على الرؤوس، وحُزِرَ الخلقُ بستين ألفًا، والنساء اللاتي على الطريق بخمسة عشر ألفًا، وكَثُر البكاءُ والتأسُّف عليه، ودُفِن بمقابر الصوفية إلى جانب أخيه الإمام شرف الدِّين عبد الله.


(١) (ش): «واستعتوا»، و (م): «استعدوا» والمثبت من (ظ).
(٢) في (ظ) «عواية»، ولعله ما أثبت.
(٣) هو: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن تمام التلّي الحنبلي، العالم الصالح القدوة، (ت ٧٤١). ترجمته في «المعجم المختص»: (ص ٢١٥)، و «ذيل طبقات الحنابلة»: (٥/ ٩٩ - ١٠٠).

<<  <   >  >>