للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واحتج لها ببراهين ومقدمات وأُمور لم يُسبق إليها، وأطلق عبارات أحجم عنها الأولون والآخرون وهابوا وجَسَر هو عليها، حتَّى قام عليه خلق من علماء مصر والشام قيامًا لا مزيد عليه بدّعوه وناظروه وكابروه، وهو ثابت لا يداهن ولا يحابي بل يقول الحق المر الَّذي أدى إليه اجتهاده وحدة ذهنه وسعة دائرته في السنن والأقوال، وجرى بينه وبينهم حملات حربية ووقعات شامية ومصرية.

كَانَ معظِّمًا لحرمات الله دائم الابتهال كثير الاستعانة قوي التوكل ثابت الجأش، له أوراد وأذكار يُديمها، وله من الطرف الآخر محبون من العلماء والصلحاء والجند والأُمراء والتجار والكبراء وسائر العامة تحبه، بشجاعته تُضْرب الأمثال وببعضها يتشبه أكابر الأبطال، ولقد أقامه الله في نوبة غازان والتقى أعباء الأمر بنفسه واجتمع بالملك مرتين وبخطلو شاه وبولاي، وكان قبجق يتعجب من إقدامه وجرأته على المغل.

وكتب ابن الزَّمْلَكاني على بعض تصانيف ابن تَيْميَّة هذه الأبيات:

ماذا يقولُ الواصفونَ له ... وصفاته جلَّت عن الحصر

هو حجَّةٌ لله قاهرةٌ ... هو بيننا أُعجوبةُ العصرِ

هو آيةٌ في الخلقِ ظاهرةٌ ... أنوارها أربتْ على الفجر

ولما سافر ابن تَيْميَّة على البريد إلى القاهرة سنة سبع مئة وحضَّ على الجهاد رتب له مرتب في كل يوم وهو دينار وتحفة (١)، وجاءته بقجة قماش فلم يقبل من ذلك شيئًا.


(١) كذا هنا، وقد سبق فيما مضى: «محفية».

<<  <   >  >>