للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بقوة نفسه وخلَّصه الله.

وله نظم وسط، ولم يتزوج ولا تسرَّى ولا كَانَ له من المعلوم إلَّا شيء قليل وكان أخوه يقوم بمصالحه، وكان لا يطلب منهم غداء ولا عشاء غالبًا، وما كانت الدنيا منه على بال. وكان يقول في كثير من أحوال المشايخ إنها شيطانية أو نفسانية فينظر في متابعة الشَّيخ الكتاب والسنة فإن كَانَ كذلك فحاله صحيح وكشفه رحماني غالبًا وما هو بالمعصوم، وله في ذلك عدة تصانيف تبلغ مجلدات، من أعجب العجب، وكم عوفي من «الصراعِ الجنيِّ» إنسانٌ بمجرد تهديده للجني، وجَرَت له في ذلك فصول ولم يفعل أكثر من أن يتلوَ آيات ويقول: إن لم تنقطع عن هذا المصروع وإلّا عملنا معك حكم الشرع وإلّا عملنا معك ما يرضي الله ورسوله، وفي آخر الأمر ظفروا له بمسألة السفر لزيارة قبور النبيين، وأنَّ السفر وشد الرحال لذلك منهي عنه لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تُشَد الرِّحال إلَّا إلى ثلاثة مساجد». مع اعترافه بأنَّ الزيارة بلا شدِّ رحلٍ قربة، فشنعوا عليه بها، وكتب فيها جماعة بأنه يلزم من منعه شائبة تنقيص للنبوَّة فيكفر بذلك.

وأفتى عدّة بأنه مخطئٌ بذلك خطأ المجتهدين المغفور لهم، ووافقه جماعة وكبرت القضية فأُعيد إلى قاعة بالقلعة فبقي بضعة وعشرين شهرًا، وآل الأمر إلى أن مُنِع من الكتابة والمطالعة، وما تركوا عنده كراسًا ولا دواة، وبقي أشهرًا على ذلك، فأقبل على التلاوة والتهجد والعبادة حتَّى أتاه اليقين فلم يفجأ الناسَ إلَّا نعيُه وما علموا بمرضه، فازدحم الخلق عند باب القلعة وبالجامع زحمة صلاة الجمعة وأرجح، وشيَّعه الخلق من أربعة أبواب البلد وحمل على الرؤوس، وعاش سبعًا وستين سنة وأشهرًا، وكان أسود الرأْس

<<  <   >  >>