وقال لي مرة: ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، أين رُحْت فهي معي لا تفارقني، إنَّ حَبْسي خَلْوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة.
وكان يقول في محبسه بالقلعة: لو بذلت لهم ملء هذه القلعة ذهبًا ما عَدَل عندي شكر هذه النعمة. أو قال: ما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير. ونحو هذا.
وكان يقول في سجوده ــ وهو محبوس ــ:«اللهم أعِنّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» ما شاء الله.
وقال لي مرّة: المحبوس من حُبِس قلبُه عن ربه تعالى، والمأسور من أسره هواه.
ولما أُدْخِل إلى القلعة وصار داخل سورها نظر إليه وقال: {بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (١٣) يُنَادُونَهُمْ} [الحديد: ١٣].
وعَلِم الله ما رأيت أحدًا أطيب عيشًا منه قط، مع ما كان فيه من ضيق العيش، وخلاف الرفاهية والنعيم، بل ضدها، ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرجاف، وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشًا، وأشرحهم صدرًا، وأقواهم قلبًا، وأسرّهم نفسًا، تلوح نضرة النعيم على وجهه.
وكنا إذا اشتدَّ بنا الخوف، وساءت مِنّا الظنون وضاقت بنا الأرض= أتيناه، فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه، فيذهب ذلك كله وينقلب انشراحًا وقوةً ويقينًا وطمأنينةً.
فسبحان من أشهد عبادَه جنتَه قبل لقائه، وفتح لهم أبوابها في دار العمل،