للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وآخرين ممن يلوذون بظلّه، سألوه أن يروح معهم يوم سَبت ليتفرّج، فهرب منهم وما ألْوى عليهم ولا عَرَّج. فلما عادوا آخر النهار لاموه على تخلُّفِه، وتركه لاتّباعهم وما في انفراده من تَكَلُّفِه. فقال: أنتم ما تزيّد لكم شيءٌ (١) ولا تجدّد، وأنا حفظتُ في غيبتكم هذا المجلّد. وكان ذلك الكتاب «جَنّة النَّاظر وجُنّة المُناظر» (٢) وهو مجلّد صغير وأمرُه شهير. لا جَرَم أنَّه كَانَ في أرض العلوم حارثًا وهو همّام، وعلومه ــ كما يقولُ الناسُ ــ تدخلُ معه الحمّام.

هذا إلى كرمٍ يضحك البرقُ منه على غَمَائمه، وجودٍ ما يصلح حاتم أن يكون في فصّ خاتمه، وشجاعةٍ يفرّ منها قَسْوَرة، وإقدام يتأخّرُ عنه عنترة، دخل على محمود غازان وكلّمه كلامًا غليظًا بقوةٍ، وأسمعه مقالًا لا تحمله الأبّوةُ من البنوّة.

وكان في ربيع الأوَّل سنة ثمان وتسعين وست مئة قد قام عليه جماعةٌ من الشافعيّة وأنكروا عليه كلامه في الصفات، وأخذوا فتياه «الحمويّة»، وردّوا عليه فيها، وعملوا له مجلسًا. فدافع الأفرمُ عنه ولم يُبَلِّغهم فيه أرَبَا. ونودي بدمشق بإبطال العقيدة «الحموية». فانتصر له جاغان المشدّ. وكان قد مُنع من الكلام. ثمَّ حضر عنده قاضي القُضاة إمام الدين، وبحثوا معه، وطال الأمر بينهم. ثمَّ رجع القاضي إمام الدِّين وأخوه جلال الدِّين وقالا: من قال عن الشَّيخ تقيّ الدِّين شيئًا عزّرْناه.

ثُم إنَّه طُلب إلى مصر وهو القاضي نجم الدِّين ابن صصري، وتوجّها


(١) في الأصل: «شيئًا».
(٢) لغلام ابن المَنّي (ت ٦١٠).

<<  <   >  >>