إلَّا حفظه، ثمَّ اشتغل بالعلوم، وكان ذكيًا كثير المحفوظ، فصار إمامًا في التفسير وما يتعلق به، عارفًا بالفقه، وكان عالمًا باختلاف العلماء، عالمًا في الأصول والفروع والنحو واللغة، وغير ذلك من العلوم النقلية والعقلية، وما قُطع في مجلس ولا تكلم معه فاضل في فن من الفنون إلَّا ظنّ أنَّ ذلك الفن فنه، ورآه عارفًا به متقنًا له، وأما الحديث فكان حامل رايته حافظًا له متنًا وإسنادًا، مميّزًا بين صحيحه وسقيمه، عارفًا برجاله، متضلِّعًا من ذلك، وله تصانيف كثيرة وتعاليق مفيدة في الأصول والفروع، كمل منها جملة، وبيّضت وكتبت عنه وقرئت عليه أو بعضها، وجملة كبيرة لم يُكملها، وجملة كملها ولم تُبيّض إلى الآن. وأثنى عليه وعلى علومه وفضائله جماعة من علماء عصره، مثل القاضي الخوييّ، وابن دقيق العيد، وابن النحاس، والقاضي الحنفي قاضي قضاة مصر ابن الحريري، وابن الزَّمْلَكاني وغيره. ووجدت بخط ابن الزَّمْلَكاني أنَّه قال: اجتمعتْ فيه شروطُ الاجتهاد على وجهها، وأنَّ له اليد الطولى في حسن التَّصنيف وجودة العبارة والترتيب والتقسيم والتبيين، وكتب على تصنيف له هذه الأبيات:
ماذا يقول الواصفون له ... وصفاتهُ جَلَّتْ عن الحَصْرِ
هو حجةٌ للهِ قاهرةٌ ... هو بيننا أعجوبةُ الدهرِ
هو آيةٌ في الخلق ظاهرةٌ ... أنوارُها أرْبَتْ على الفجر
وهذا الثناء عليه، وكان عمره يومئذ نحو الثلاثين سنة. وكان بيني وبينه مودة وصحبة من الصغر، وسماع الحديث والطلب من نحو خمسين سنة. وله فضائل كثيرة، وأسماء مصنفاته وسيرته وما جرى بينه وبين الفقهاء والدولة وحبسه مرات، وأحواله لا يحتمل ذكر جميعها هذا الموضع، وهذا