وصل دمشق إلَّا في نحو ثلاثمائة فارس في ركابه، ودخلوا. وأمّا القضاة فخرج عليهم جماعة فجرّدُوهم من ثيابهم، ودخلوا المدينة عُراةً.
فلمّا عاد غازان إلى بلاده، ركب ابن تَيْمِيَّة البريد إلى مهنّأ بن عيسى واستحضره إلى الجهاد. وركب بعده إلى القاهرة واستَنْفَر السلطان. وواجه بالكلام الغليظ أمراءه وعسكره. ولمّا جاء السلطان إلى شَقْحب لاقاه وجعل يشجّعه ويثبّته. فلمّا رأى السلطان كثرة التَّتار قال: يا لخالدِ بن الوليد!
فقال له: لا تقُل هذا. بل قل: يالله! واستغث بالله ربّك ووحِّدْه وحدَه تُنصَرْ، وقل: يا مالكَ يوم الدين، إيّاك نعبد وإيّاك نستعين! وما زال يطلّ تارة على الخليفة المستكفي بالله، وتارة على الملك الناصر محمد بن قلاوون ويُهَدِّئُهما ويربط جأشَهما، حتَّى جاء نصر الله والفتح. وقال للسلطان: أنت منصور فاثبت!
فقال له بعض الأمراء: قل: إن شاء الله!
فقال: إنْ شاء الله، تحقيقًا، لا تعليقًا! فكان كما قال.
ولمّا أعيدت الخطبة بجامع دمشق ــ بعد رحيل غازان ــ للملك الناصر محمد بن قلاوون في يوم الجمعة سابع عشري شهر رجب من السنة المذكورة، دار [ابن تَيْمِيَّة] بنفسه على ما جُدّد من الخمّارات، وأراق خمورها وكسر أوانيَها وشقّ ظروفها، وعزّر الخمّارين هو وجماعتُه. وكان الناس يمشون معه، وهو يدور على الجماعات ويقرأ عليهم سورة القتالِ وآيات الجهاد وأحاديث الغزو والرباط والحرس، ويحثّهم على ذلك.
فلمّا عاد التَّتار إلى حلب في سنة سبعمائة، وانجفَل الناس منهم ــ وكان