للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: وكان من أذكياء العالم وله في ذلك أُمور عظيمة، منها: أنَّ محمد بن أبي بكر السّكاكيني عمل أبياتًا على لسان ذمِّي في إنكار القدر وأولها:

أيا علماء الدِّين ذمِّي دينكم ... تحير دُلُّوه بأعظم حُجَّة

إذا ما قضى ربي بكفري بزعمكم ... ولم يرضه مني فما وجه حيلتي

فوقف عليه ابن تَيْمِيَّة فثنى إحدى رجليه على الأخرى وأجاب في مجلسه قبل أن يقوم بمائة وتسعة عشر بيتًا أولها:

سُؤالك يا هذا سؤال معاند ... مخاصم ربِّ العرش باري البرية

وكان يقول: أنا فاقرت في الأقفاص (١).

وقال شيخ شيوخنا الحافظ أبو الفتح اليعمري في ترجمة ابن تَيْمِيَّة: حداني ــ يعني المزي ــ على رؤية الشَّيخ الإمام شيخ الإسلام تقي الدِّين فألفيته ممن أدرك من العلوم حظَّا وكاد يستوعب السنن والآثار حفظًا، إن تكلّم في التفسير فهو حامل رايته، أو أفتى في الفقه فهو مدرك غايته، أو ذاكَرَ في الحديث فهو صاحب علمِه وذُو روايته، أو حاضَر بالمِلَل والنِّحَل لم يُرَ أوْسَعُ مِن نحْلتِه في ذلك ولا أرفعُ من درايته، برز في كلِّ فنّ على أبناء جنسه، ولم تَرَ عين من رآه مثلَه ولا رأتْ عينُهُ مثل نَفْسِه، كَانَ يتكلّم في التفسير فيحضر مجلسه الجم الغفير، ويَرِدُون من بحره العذب النمير، يرتعون من ربيع فضله في روضة وغدير، إلى أن دبّ إليه من أهل بلده داء الحسد، وأكب أهل النَّظر منهم على ما ينتقد عليه من أمور المعتقد، فحفِظُوا عنه في ذلك


(١) كذا في الأصل، ونسخة: «ناقرت».

<<  <   >  >>