للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والأصول عن والده، وعن الشَّيخ شمس الدِّين بن أبي عمر، والشيخ زين الدِّين بن المُنجَّى، وبَرَعَ في ذلك، وناظر، وقرأ في العربية أيَّامًا على ابن عبد القوي، ثمَّ أخذ «كتاب سيبويه» فتأمله ففهمه، وأقبل على تفسير القرآن الكريم فبرّز فيه، وأحكم أصول الفقه، والفرائض، والحساب، والجبر، والمقابلة، وغير ذلك من العلوم، ونظر في علم الكلام والفلسفة، وبرّز في ذلك على أهله، وردَّ على رؤسائهم وأكابرهم، ومهر في هذه الفنون، وتأهل للفتوى والتَّدريس وله دون العشرين سنةً، وأفتى من قبل العشرين أيضًا، وأمدّه الله بكثرة الكتب، وسُرعة الحفظ، وقوة الإدارك والفهم، وبطء النسيان.

ثمَّ توفي والده وكان له حينئذ إحدى وعشرون سنة، فقام بوظائفه بعده فدرَّس «بدار الحديث السكرية» في أول سنة ثلاثٍ وثمانين وست مئة، وحضر عنده قاضي القضاة بهاء الدِّين بن الزكي، والشيخ تاج الدِّين الفَزَاري، وزين الدِّين المرحّل، والشيخ زين الدِّين ابن المنجَّى وجماعة، وذكر درسًا عظيمًا في البسملة، وهو مشهور بين الناس، وعظَّمه الجماعة الحاضرون، وأثنَوْا عليه ثناءً كثيرًا، ثمَّ جلس بالجامع أيّام الجمع لتفسير القرآن العظيم، وشرع الشَّيخ في الجمع والتَّصنيف من دون العشرين، ولم يزل في علوّ وازدياد من العلوم والقدر، ورزقه الله شجاعةً وذكاءً وتنويرًا إلهيًّا وكرمًا ونصحًا وأمرًا بالمعروف ونهيًا عن المنكر، وكان له شدّةُ استحضار وقت إقامة الدليل، وفاق النَّاس في معرفة الفقه واختلاف المذاهب وفتاوي الصّحابة والتابعين، بحيث إنّه إذا أفتى لم يلتزم بمذهب بل بما يقوم دليله عنده، وكان إذا سئل عن فن من العلم ظنَّ الرّائي والسّامع أنّه لا يعرف غير

<<  <   >  >>