للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النسيان، حتَّى قال غير واحد: إنَّه لم يكن يحفظ شيئًا فينساه، ثمَّ توفي والده وله إحدى وعشرون سنة، فقام بوظائفه بعده مدة، فدرَّس بدار الحديث السُّكَّريَّة المجاورة لحمّام نور الدِّين الشهيد في البزورية في أول سنة ثلاث وثمانين، وحضر عنده قاضي القضاة بهاء الدِّين بن الزّكي، والشيخ تاج الدِّين الفَزَاري، وابن المُرَحّل، وابن المُنَجَّي، وجماعة، فذكر درسًا عظيمًا في البسملة، بحيث بَهَرَ الحاضرين، وأثنوا عليه جميعًا.

قال الذَّهبيّ: وكان الشَّيخ تاج الدِّين الفَزَاري يُبالغ في تعظيم الشَّيخ تقي الدِّين، بحيث إنَّه علّق بخطّه درسه بالسُّكرية.

ثمَّ جلس مكان والده بالجامع على منبر أيام الجمع لتفسير القرآن العظيم، وشرع من أول القرآن، فكان يُوردُ في المجلس من حفظه نحوَ كُرَّاسين أو أكثر. وبقي يُفسّر في سورة نوح عِدَّةَ سنين أيامَ الجُمَع.

وقال الذَّهبيّ في «معجم شيوخه»: شيخنا، وشيخ الإسلام، وفريد العصر، علمًا، ومعرفةً، وشجاعة، وذكاءً، وتنويرًا إلهيًّا، وكرمًا، ونصحًا للأمة، وأمرًا بالمعروف، ونهيًا عن المنكر.

سمع الحديث، وأكثر بنفسه من طلبه، وكتب، وخرَّج، ونظر في الرجال والطبقات، وحصَّل ما لم يحصّله غيره، وبرع في تفسير القرآن، وغاص في دقيقِ معانيه بطبع سيالٍ، وخاطر وقّادٍ إلى مواضع الإشكال مَيَّال، واستنبط منه أّشياء لم يُسبق إليها، وبَرَعَ في الحديث وحفظه، فقلَّ مَنْ يحفظ ما يحفظ من الحديث مَعْزُوًّا إلى أصوله وصحابته، مع شدة استحضارٍ له وقت إقامة الدّليل. وفاق النَّاس في معرفة الفقه، واختلاف المذاهب، وفتاوى الصّحابة والتابعين، بحيث إنَّه إذا أفتى لم يلتزم بمذهب، بل بما يقوم دليله عنده،

<<  <   >  >>