للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التجار والكبراء، وسائرُ العامةِ تحبّه؛ لأنه منتصبٌ لنفعهم ليلًا ونهارًا، بلسانه وقلمه.

وأما شجاعته: فبها تضرب الأمثال، وببعضها يتشبه أكابر الأبطال.

وله إقدام وشهامة، وقوة نفس توقعه في أمورٍ صعبة، فيدفع الله عنه.

وله نظم قليل وسط. ولم يتزوج، ولا تسرَّى، ولا له من المعلوم إلا شيء قليل. وأخوه يقوم بمصالحه، ولا يطلب منه غداءً ولا عشاءً في غالب الأوقات.

وما رأيت في العالم أكرم منه، ولا أفرغ منه عن الدينار والدرهم، لا يذكره، ولا أظنه يدور في ذهنه، وفيه مروءة، وقيام مع أصحابه، وسَعْي في مصالحهم. وهو فقير لا مال له، وملبوسه كآحاد الفقهاء: فَرَجيَّة، ودَلَق، وعمامة تكون قيمة ثلاثين درهمًا، ومداس ضعيف الثمن، وشعره مقصوص.

وهو ربع القامة، بعيد ما بين المنكبين، كأنَّ عينيه لسانان ناطقان، ويصلي بالناس صلاة لا تكون أطول من ركوعها ولا سجودها، وربما قام لمن يجيء من سفر أو غاب عنه، وإذا جاء فربما يقومون له، والكل عنده سواء، كأنه فارغ من هذه الرسوم ولم ينحنِ لأحدٍ قط، وإنما يسلِّم ويصافح ويبتسم، وقد يعظِّم جليسَه مرة، ويُهينه في المحاورة مرات.

قلت: وقد سافر الشيخ مرةً على البريد إلى الديار المصرية يستنفر السلطان عند مجيء التتر سنةً من السنين، وتلا عليهم آيات الجهاد، وقال: إن تخليتم عن الشام ونصرة أهله والذب عنهم، فإن الله تعالى يقيم لهم من

<<  <   >  >>