للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن أمثلة التورية قول سراج الدين الورّاق (١):

أصون أديم وجهي عن أناس ... لقاء الموت عندهم الأديب

ورب الشعر عندهم بغيض ... ولو وافى به لهم «حبيب»

فالتورية في لفظة «حبيب»، ولها معنيان: أحدهما المحبوب، وهذا هو المعنى القريب الذي يتبادر إلى الذهن أول وهلة بسبب التمهيد له بكلمة «بغيض»، والمعنى الثاني اسم أبي تمام الشاعر وهو حبيب بن أوس، وهذا هو المعنى البعيد الذي أراده الشاعر ولكنه تلطف فورّى عنه وستره بالمعنى القريب.

ومن أمثلتها أيضا قول بدر الدين الذهبي:

يا عاذلي فيه قل لي ... إذا بدا كيف أسلو؟

يمر بي كل وقت ... وكلما «مر» يحلو

فالتورية هنا كلمة «مرّ»، فإن لها معنيين: أحدهما أنها مأخوذة من المرارة وهو المعنى القريب بدليل مقابلتها بكلمة «يحلو»، وهذا المعنى القريب الظاهر غير مراد، والمعنى الثاني أنها مأخوذة من المرور، وهذا هو المعنى البعيد الذي يريده الشاعر.

ومنها كذلك قول بدر الدين الحمّاميّ:

جودوا لنسجع بالمدي ... ح على علاكم سرمدا

فالطير أحسن ما تغر ... د عند ما يقع الندى (٢)

فالتورية هنا في كلمة «الندى»، فمعناها القريب الظاهر غير المراد


(١) شاعر مصري أولع بالبديع في شعره وتوفي سنة ٦٥٩ هـ.
(٢) من معاني الندى: الجود، وما يسقط آخر الليل من بلل ومطر خفيف.

<<  <   >  >>