وترك الجيد المقبول، فدل على قصور فهمه، وتأخر معرفته وعلمه. وقد قيل: اختيار الرجل قطعة من عقله، كما أن شعره قطعة من معرفته وعلمه».
وحسبنا هذا القدر من كلام أبي هلال العسكري للدلالة على أهمية علم البلاغة وأحقيته بالتعلم.
[أوليات البديع]
وإذا انتقلنا من هذا التمهيد إلى علم البديع أحد علوم البلاغة العربية فإننا نلتمس أوليات هذا العلم في محاولة قام بها شاعر عباسي من أبناء الأنصار أولع بالبديع في شعره واشتهر بإجادة المدح من مثل قوله في مدح يزيد بن مزيد:
تلقى المنية في أمثال عدتها ... كالسيف يقذف جلمودا بجلمود
تجود بالنفس إن ضن الجواد بها ... والجود بالنفس أقصى غاية الجود
وقوله أيضا:
موف على مهج في يوم ذي رهج ... كأنه أجل يسعى إلى أمل
ينال بالرفق ما تعيا الرجال به ... كالموت مستعجلا يأتي على مهل
هذا الشاعر هو صريع الغواني مسلم بن الوليد الأنصاري المتوفى سنة ٢٠٨ هجرية، فقد وضع مصطلحات لبعض الصور البيانية والمحسنات اللفظية والمعنوية من مثل الجناس والطباق.
ثم نلتقي من بعده بأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ في كتابه «البيان والتبيين» والمتوفى سنة ٢٥٥ هـ، فهذا الكتاب
وإن اشتمل على كثير من الفوائد والخطب الرائعة والأخبار البارعة، وأسماء الخطباء والبلغاء، مع بيان أقدارهم في البلاغة والخطابة، إلا أن الإبانة عن حدود