وإذا ما اجتزنا القرن الثامن إلى القرن التاسع الهجري وما بعده فإننا نرى أن الاتجاه الغالب في دراسة البديع يتمثل في نظم البديعيات التي تنحو منحى صفي الدين الحلي أو عز الدين الموصلي وتتبارى مع هذا أو ذاك في منحاه. وأول هؤلاء المتبارين هو:
١ - ابن حجة الحموي (١):
المتوفى سنة ٨٣٧ للهجرة.
هو تقي الدين أبو بكر بن حجة الحموي، كان إماما عارفا بفنون الأدب، متقدما فيه طويل النفس في النظم والنثر.
وله مصنفات كثيرة منها: بروق الغيث الذي انسجم في شرح لامية العجم، وكشف اللثام عن وجه التورية والاستخدام، وثمرات الأوراق في المحاضرات، وخزانة الأدب، وديوان شعر بديع.
ولا بن حجة الحموي بديعية مشهورة في مدح الرسول تبلغ مائة واثنين وأربعين بيتا، وقد استهلها بقوله:
لي في ابتدا مدحكم يا عرب ذي سلم ... براعة تستهل الدمع في العلم
وقد حاول في نظمها كما ذكر في مقدمة شرحه لها أن يجمع بين الحسنيين، أعني أن يقتدي بعز الدين الموصلي في تضمين ألفاظ البيت ما يشير إلى نوع المحسن البديعي الذي بناه عليه، وأن يقتدي بصفي الدين الحلي في رقة شعره وجمال نظمه وسلاسته.
وما من شك في أن بديعيته أرق وأسلس في نظمها من بديعية عز الدين، ولكنه لم ينجح كل النجاح في التخلص مما عابه عليه من ثقل النظم والتكلف الشديد في بديعيته.
(١) انظر ترجمته في «الضوء اللامع» للحافظ السخاوي، وكشف الظنون لحاجي خليفة.