للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحق، وأقامت منار الدين، وأزالت شبه الكفر ببراهينها، وهتكت حجب الشك بيقينها.

وقد علمنا أن الإنسان إذا أغفل علم البلاغة، وأخل بمعرفة الفصاحة لم يقع علمه بإعجاز القرآن من جهة ما خصه الله به من حسن التأليف، وبراعة التركيب، وما شحنه به من الإيجاز البديع، والاختصار اللطيف، وضمنه من حلاوة، وجلله من رونق الطلاوة، مع سهولة كلمه وجزالتها، وعذوبتها وسلاستها، إلى غير ذلك من محاسنه التي عجز الخلق عنها، وتحيرت عقولهم فيها.

وإنما يعرف إعجازه من جهة عجز العرب عنه، وقصورهم عن بلوغ غايته في حسنه وبراعته، وسلاسته ونصاعته، وكمال معانيه، وصفاء ألفاظه .....

ولهذا العلم بعد ذلك فضائل مشهورة، ومناقب معروفة، منها أن صاحب العربية إذا أخل بطلبه، وفرط في التماسه، ففاتته فضيلته، وعلقت به رذيلة فوقه، عفّى على جميع محاسنه، ..... لأنه إذا لم يفرق بين كلام جيد وآخر رديء، ولفظ حسن وآخر قبيح، وشعر نادر وآخر بارد، بان جهله، وظهر نقصه.

وهو أيضا إذا أراد أن يصنع قصيدة، أو ينشئ رسالة- وقد فاته هذا العلم- مزج الصفو بالكدر، وخلط الغرر بالعرر (١)، واستعمل الوحشي العكر، فجعل نفسه مهزأة للجاهل وعبرة للعاقل.

وإذا أراد أيضا تصنيف كلام منثور، أو تأليف شعر منظوم، وتخطي هذا العلم ساء اختياره له، وقبحت آثاره فيه، فأخذ الرديء المرذول،


(١) الغرر: جمع غرة، وهي النفيس من كل شيء. والعرر: جمع عرة، وهي القذر.

<<  <   >  >>