للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد اهتدى بعض الجاهليين إلى قيمة بعض هذه الأساليب وأثرها في تقدير الشعر وحظه من البلاغة، ومن هذه

الأساليب ما يمت بصلة إلى هذا أو ذاك بما عرف بعد بعلوم البلاغة العربية الثلاثة، أعني علم المعاني، وعلم البيان، وعلم البديع.

ولعلنا نذكر ما كان يدور في أسواق العرب وأنديتهم من حوار أدبي، كما نذكر كيف كان الشعراء يفدون على زهير بن أبي سلمى في سوق عكاظ وينشدون أمامه أشعارهم ليحكم بينهم متفاخرين بما في شعرهم من أساليب التشبيه والمجاز بأنواعه، وكيف كان زهير يقضي لهذا أو ذاك على غيره من الشعراء لأنه أجاد التشبيه أو الاستعارة أو الكناية.

الجاهليون إذن كانوا بطبيعتهم الشعرية الأصيلة يستحسنون بعض الأساليب البلاغية ويستخدمونها في أشعارهم دون علم بمصطلحاتها، تماما كما كانوا عن سليقة يستخدمون في كلامهم الفاعل مرفوعا والمفعول منصوبا قبل أن يظهر النحاة ويضعوا قواعد الفاعل والمفعول.

وقد أخذ علماء العربية بعد الإسلام يهتمون غاية الاهتمام بعلم البلاغة ليستعينوا به في المحل الأول على معرفة أسرار الإعجاز في القرآن الكريم كتاب الله.

وفي ذلك يقول أبو هلال العسكري (١): «اعلم- علمك الله الخير ودلك عليه وقيضه لك وجعلك من أهله- أن أحق العلوم بالتعلم وأولاها بالتحفظ- بعد المعرفة بالله جل ثناؤه- علم البلاغة، ومعرفة الفصاحة الذي به يعرف إعجاز كتاب الله تعالى، الناطق بالحق، الهادي إلى سبيل الرشد، المدلول به على صدق الرسالة وصحة النبوة، التي رفعت أعلام


(١) كتاب الصناعتين ص ١ - ٣.

<<  <   >  >>