كأن نيسان أهدى من ملابسه ... لشهر كانون أنواعا من الحلل
أو الغزالة من طول المدى خرفت ... فما تفرّق بين الجدي والحمل (١)
فالتورية هنا مجرّدة، والشاهد في الغزالة والجدي والحمل، فإن الشاعر لم يذكر قبل الغزالة ولا بعدها شيئا من لوازم المورّى به، كالأوصاف المختصة بالغزالة الوحشية من طول العنق، وسرعة الالتفات، وسرعة النفرة، وسواد العين، ولا من أوصاف المورّى عنه كالأوصاف المختصة بالغزالة الشمسية من الإشراق والسمو والطلوع والغروب.
٢ - والتورية المرشحة: هي التي يذكر فيها لازم المورّى به، وهو المعنى القريب، وسميت مرشحة لتقويتها بذكر لازم المورى به. ثم تارة يذكر اللازم قبل لفظ التورية وتارة بعده، فهي بهذا الاعتبار قسمان:
أ- فالقسم الأول منها: هو ما ذكر لازمه قبل لفظ التورية. وأعظم أمثلته قوله تعالى: وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ فإن قوله: بِأَيْدٍ يحتمل اليد الجارجة، وهذا هو المعنى القريب المورّى به، وقد ذكر من لوازمه على جهة الترشيح «البنيان»، ويحتمل القوة وعظمة الخالق، وهذا هو المعنى البعيد المورّى عنه، وهو المراد لأن الله سبحانه منزه عن المعنى الأول.
ومنه قول يحيى بن منصور من شعراء الحماسة:
فلما نأت عنا العشيرة كلّها ... أنخنا فحالفنا السيوف على الدهر
فما أسلمتنا عند يوم كريهة ... ولا نحن أغضينا الجفون على وقر
فالشاهد لفظة «الجفون» فإنها تحتمل جفون العين، وهذا هو المعنى القريب المورّى به، وقد تقدم لازم من لوازمه على جهة الترشيح وهو