وكأني به وقد بدأ المحاولة الأولى في وضع علم البديع أدرك أن هناك من قد يقلل من شأن هذه المحاولة أو يغير في بعض المصطلحات التي اختارها، أو يزيد في بعض الأبواب، أو يأخذ عليه تقصيرا في تفسير بعض الشواهد الشعرية التي استدل بها. ومن أجل هذا يقول:«ولعل بعض من قصر عن السبق إلى تأليف هذا الكتاب ستحدثه نفسه وتمنيه مشاركتنا في فضيلته فيسمى فنا من فنون البديع بغير ما سميناه به، أو يزيد في الباب من أبوابه كلاما منثورا، أو يفسر شعرا لم تفسره، أو يذكر شعرا قد تركناه ولم يذكره، إما لأن بعض ذلك لم يبلغ في الباب مبلغ غيره فألقيناه، أو لأن فيما ذكرناه كافيا ومغنيا. وليس من كتاب إلا وهذا ممكن فيه لمن أراده، وإنما غرضنا في هذا الكتاب تعريف الناس أن المحدثين لم يسبقوا المتقدمين إلى شيء من أبواب البديع، وفي دون ما ذكرنا مبلغ الغاية التي قصدناها»(١).
والخلاصة أن ابن المعتز بوضعه كتاب البديع قد قام بالمحاولة الأولى في سبيل استقلال هذا العلم البلاغي وتحديد مباحثه التي كانت من قبل مختلطة بمباحث علم المعاني وعلم البيان، كما لفت أنظار الناس إلى أن البديع كان موجودا في أشعار الجاهلية وصدر الإسلام، ولكنه كان مفرقا يأتي عفوا، ثم جاء الشعراء المحدثون من أمثال بشار ومسلم بن الوليد وأبي نواس وأبي تمام فأكثروا منه في أشعارهم وقصدوا إليه.
وكان مما استحدثه ابن المعتز في كتابه أيضا وضع مصطلحات لأنواع البديع في زمنه، ونقد ما أتي معيبا من كل نوع.
وتلك بلا شك محاولة علمية جادة تلقفها البلاغيون والنقاد من بعده