للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إسحاق الموصلي أنه قال: قال لي الأصمعي: أتعرف التفات جرير؟ قلت:

وما هو؟ فأنشدني قوله:

أتنسى إذ تود عنا سليمى ... بعود بشامة؟ سقي الغمام

أما تراه مقبلا على شعره، إذ التفت إلى البشام فذكره فدعا له (١).

...

وقد عدّ ابن المعتز «الالتفات» من محاسن الكلام وبديعه، فعرفه ومثل له بعدة أمثلة من القرآن الكريم والشعر. ففي تعريفه له يقول:

«الالتفات هو انصراف المتكلم عن المخاطبة إلى الإخبار، وعن الإخبار إلى المخاطبة وما يشبه ذلك. ومن الالتفات الانصراف عن معنى يكون فيه إلى معنى آخر» (٢).

ثم مثل لانصراف المتكلم عن المخاطبة إلى الإخبار، أو بعبارة أخرى لانصرافه عن الخطاب إلى الغيبة بقوله تعالى: هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ.

فالالتفات في الآية الكريمة هو في قوله تعالى: حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ، وعن هذا الالتفات يقول ابن الأثير:

«فإنه إنما صرف الكلام ههنا من الخطاب إلى الغيبة لفائدة وهي أنه ذكر لغيرهم حالهم ليعجبهم منها كالمخبر لهم ويستدعي منهم الإنكار عليهم.


(١) انظر كتاب العمدة ج ٢ ص ٤٤، وكتاب الصناعتين ص ٣٩٢، والبشام: شجر ذو ساق وأفنان وورق ولا ثمر له.
(٢) كتاب البديع ص ٥٨.

<<  <   >  >>