ووجد ولم يستجدوا بعده كفرا ثانيا، وصدهم عن سبيل الله متجدد على الأيام لم يمض وجوده، وإنما هو مستمر يستأنف في كل حين.
ومن هذا الضرب أيضا قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ. فهنا عدل عن لفظ الماضي إلى المستقبل فقال: فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً ولم يقل «فأصبحت» عطفا على «أنزل» وذلك لإفادة بقاء أثر المطر زمانا بعد زمان. فإنزال الماء مضى وجوده واخضرار الأرض باق لم يمض.
وهذا كما تقول:«أنعم عليّ فلان فأروح وأغدو شاكرا له» ولو قلت: «فرحت وغدوت شاكرا له» لم يقع ذلك الموقع، لأنه يدل على ماض قد كان وانقضى.
...
وأما الإخبار بالفعل الماضي عن المستقبل، فهو عكس ما تقدم ذكره، وفائدته أن الفعل الماضي إذا أخبر عن المستقبل الذي لم يوجد بعد، كان ذلك أبلغ وأوكد في تحقيق الفعل وإيجاده، لأن الفعل الماضي يعطي من المعنى أنه قد كان ووجد.
وإنما يفعل ذلك إذا كان الفعل المستقبل من الأشياء العظيمة التي يستعظم وجودها. والفرق بينه وبين الإخبار بالفعل المستقبل عن الماضي أن الغرض بذاك تبيين هيئة الفعل واستحضار صورته ليكون السامع كأنه يشاهدها، والغرض بالإخبار بالماضي عن المستقبل هو الدلالة على إيجاد الفعل الذي لم يوجد.
فمن أمثلة الإخبار بالفعل الماضي عن المستقبل قوله تعالى: وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، فإنه إنما قال