للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وينقل كلامه من معناه إلى معنى آخر، ويقول له: إنك تطولت وأنعمت علي وأحكمت وقويت حبل ودادي.

...

ومن أمثلته في القرآن الكريم قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ. فالسؤال هنا عن حقيقة الأهلة: لم تبد صغيرة ثم تزداد حتى يتكامل نورها ثم تتضاءل حتى لا ترى؟.

ولما كانت هذه القضية من قضايا علم الفلك وفهمها وقتئذ يحتاج إلى دراسة عويصة، فإن القرآن قد عدل عن الإجابة عنها إلى بيان أن الأهلّة وسائل للتوقيت في المعاملات والعبادات. وفي هذه إشارة إلى أن ما كان ينبغي أن يسأل عنه هو فائدة الأهلّة لا حقيقتها، إلى أن تتيسّر لهم الحقائق العلمية التي تعينهم على فهم هذه الظاهرة الكونية.

ومنه كذلك قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ، قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ.

فالمسلمون قد سألوا الرسول ماذا ننفق من أموالنا، فصرفهم عن هذا ببيان المصرف، لأن النفقة لا يعتد بها إن لم تقع موقعها.

ومن أمثلته شعرا قول شاعر راثيا:

ولما نعى الناعي سألناه خشية ... وللعين خوف البين تسكب أمطار

أجاب قضى! قلنا قضى حاجة العلا ... فقال مضى! قلنا بكل فخار

فأسلوب الحكيم في البيت الثاني هو في قوله: «قضى» ويريد بها «مات» ولكنهم حملوها على إنجاز الحاجات وقضائها، وهذا ما لم يقصده.

وكذلك في قوله: «مضى» أراد بها «مات» وأرادوا هم «ذهب بالفضل ولم يدع لأحد شيئا».

<<  <   >  >>